منظومة النقل في مدينة دمشق وأثرها على تلوث الهواء


 

تحتل مدينة دمشق المرتبة الأولى بين المحافظات السورية من حيث التضخم السكاني والازدهار العمراني ذو الطبيعة العشوائية، لذا كان هواؤها مشبعاً بمكونات التلوث وبعيداً كل البعد عن معايير منظمة الصحة العالمية، فمدينة دمشق تتعرض إلى هجمة من التلوث ناجمة عن ازدياد نسبة الغازات المنبعثة من عوادم السيارات التي تزيد عدة أضعاف عن النسب المسموح بها وفقاً للمعايير الدولية، والتي تسبب العديد من الأمراض الرئوية والتحسسية والسرطانات التي تحصد أرواح الآلاف من المواطنين سنوياً، وتزداد هذه المخاطر مع ازدياد عدد السيارات بشكل كبير وعدم الاهتمام بمواصفات الوقود المستخدم خاصةً المازوت الذي يحوي نسبة عالية من الكبريت والذي لا يتوافق مع شروط المواصفات الدولية التي تحمي البيئة، إضافةً إلى عدم وجود المحول (الحفاز) في السيارات القديمة وعدم مراقبة السيارات المخالفة التي تنفث الدخان.

تعود أكثر أسباب التلوث في دمشق إلى وسائط النقل، حيث تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد المركبات، وبالتالي من حيث التلوث الهوائي، وقد تم مؤخراً استيراد أعداد كبيرة من السيارات ذات الصناعة الصينية والتركية والإيرانية وغيرها من البلدان، وهي لا تراعي الشروط البيئية في صناعتها لعدم إدراج هذه المواصفة في إجازة الاستيراد، كما يخلو أسطول النقل الجماعي الخاص والعام الذي يعمل على المازوت من المعايير الفنية والسلامة، ولا تراعى فيه الاعتبارات البيئية ولو بنسبة ضئيلة، علماً أن ثلث وسائط النقل في سورية تعمل على المازوت، وبشكل تقريبي تبلغ كمية الوقود الذي تحرقه الميكرو باصات فقط من مادة المازوت في العام الواحد (716000) طن سنوياً.

وبالنظر إلى مواصفات المازوت المتدنية والذي يحتوي على نسبة مرتفعة من الكبريت تبلغ (0,7%)، فإنه يؤدي إلى انبعاث الغازات الملوثة المنطلقة من عوادم السيارات، وخاصة ثاني أكسيد الكبريت وهباب الفحم، إضافة إلى تمركز محطات الوقود في دمشق وريفها وفي المناطق المكتظة بالسكان، والتي تسهم أيضاً في تلوث الهواء.

 

وضع حركة النقل في مدينة دمشق وريفها:

حسب الإحصائيات الأخيرة – والتي أجريت بتاريخ 31/12/2011 - وصل عدد سكان دمشق وريفها إلى(4590000) نسمة، مع تنامي حركة المواصلات بشكل كبير، مما أدى إلى أزمات في النقل واختناقات مرورية شديدة خاصة في ساعات الذروة والمناسبات، إضافة إلى نتائج سلبية عدة، أهمها تلوث البيئة والهدر الكبير للطاقة، وهدر الوقت، وتعطيل الأعمال، وإضعاف الإنتاج، وزيادة الحوادث المرورية اليومية والأذى والأضرار الصحية والنفسية.

من هنا بدأت قضايا المرور ومشكلاته تحتل جانباً مهماً في مدينة دمشق، فالمشكلات المرورية الناتجة عن الازدحام الشديد للمركبات في الشوارع الرئيسية والفرعية لم تجد حلاً حتى الآن، رغم أن السيارات والكيلومترات المقطوعة تتزايد باستمرار.

وفيما يأتي جدول يوضح عدد السيارات الموجودة في دمشق وريفها خلال عام 2010:

 

نوع وسيلة النقل

دمشق

ريف دمشق

سيارات سياحية

351282

20639

باصات

2515

619

ميكرو باصات

9323

10233

سيارات شحن

17440

41840

سيارات صهاريج

875

461

سيارات بيك آب

63400

60536

سيارات نقل وركوب

2960

410

دراجات نارية

5665

68377

آليات متنوعة

2330

12869

إدخال مؤقت

2607

1207

المجموع العام

458397

217191

 

 

 

النمو المتزايد لوسائط النقل المتوسطة في دمشق:

لعبت وسائط النقل المتوسطة (الميكرو باصات) العاملة على المازوت في السنوات الأخيرة دوراً كبيراً بتأثيرها السلبي على جودة الهواء في مدينة دمشق وذلك بما تنتجه من انبعاثات غازية ملوثة للهواء وضارة بالصحة العامة نظراً لعددها المتزايد وعملها في النقل العام كأحد الحلول لأزمة النقل والمواصلات في ظل قلة وجود وسائط النقل الكبيرة (الباصات) كوسيلة للنقل العام والتي يؤدي استخدامها إلى انخفاض عدد المحركات العاملة على المازوت وبالتالي التقليل قدر الإمكان من الانبعاثات الغازية الملوثة للبيئة.

فيما يلي جدول يوضح تزايد عدد سكان مدينة دمشق وريفها، وتزايد عدد وسائط النقل فيهما خلال الأعوام (2006 - 2010)

 

الأعوام

عدد السكان

عدد وسائط النقل

مدينة دمشق

ريف دمشق

2006

عدد السكان

1647000

2406000

عدد وسائط النقل

247163

131797

2007

عدد السكان

1669000

2487000

عدد وسائط النقل

300780

140549

2008

عدد السكان

1690000

2570000

عدد وسائط النقل

353256

150663

2009

عدد السكان

1711000

2656000

عدد وسائط النقل

398586

174897

2010

عدد السكان

1733000

2744000

عدد وسائط النقل

458397

217191

 

 

أثر منظومة النقل والمرور على التلوث في مدينة دمشق:

تعتبر وسائط النقل المصدر الرئيسي لتلوث الهواء في دمشق ويعود هذا للأسباب الآتية:

  1. قدم وسائط النقل المستخدمة مما يؤدي إلى انخفاض كفاءة الاحتراق في محركاتها حيث تطلق السيارات القديمة الملوثات أكثر بـ (20) مرة مما تطلقه السيارات حديثة الصنع.
  2. إن نوعية الوقود المتدنية تلعب دوراً هاماً في زيادة الغازات الملوثة وخاصة ثاني أكسيد الكبريت، إذ أن الوقود المحلي المستخدم يحتوي على نسبة مرتفعة من الكبريت تبلغ (0,15%) في البنزين و (6,7%) في الديزل وتصل إلى (5,3%) في الفيول.
  3. تعتبر وسائط النقل العام من حافلات صغيرة أو كبيرة تعمل بالديزل المسؤول الأول عن انطلاق العوالق التنفسية، بمقدار يزيد عن (30 – 50) مرة عن الوسائط العاملة على البنزين، ومن المعروف أن العدد الأكبر من وسائط النقل وخاصة وسائل النقل العام من حافلات كبيرة أو صغيرة يعمل بالديزل، وتبلغ نسبة استهلاك قطاع النقل من الديزل نحو (38%) من مجمل كميات الديزل المستهلكة في سورية، وتتركز معظم وسائط النقل في المدن الكبيرة، ووفقاً للتقديرات فإن ثلث وسائط النقل في سورية متركزة في دمشق ويؤدي وجود هذا العدد من السيارات والإدارة السيئة لحركة المرور إلى حدوث الاختناقات المرورية، والتي تؤدي بدورها إلى توقف السيارات على إشارات المرور الضوئية لفترات طويلة، وأكدت الدراسات أن (70 -80%) من ملوثات الهواء في مدينة دمشق وحدها يعود إلى منظومة المرور وحركة النقل والمركبات، وهذه الملوثات تتضمن غازات وأكاسيد الآزوت، وثاني أكسيد الكبريت، وأول أكسيد الكربون، والهيدروكربونات والرصاص، (وصل تركيزه في بعض مناطق دمشق وحلب إلى 4 -5 ميكرو غرام/م3، بينما الحد المسموح به عالمياً لا يتجاوز 1 ميكرو غرام/م3)، إضافةً إلى العوالق الحاوية على المركبات العضوية والفحم.

وفيما يأتي جدول يوضح المقارنة بين المتوسطات السنوية لتركيز العوالق وثاني أكسيد الكبريت وثاني أكسيد الآزوت لعدة مدن في العالم، مع المعايير المسموح بها من قبل منظمة الصحة العالمية، حيث تحتل دمشق المرتبة الأولى بينها:

 

(وحدة قياس الملوث ميكروغرام \م3)

المدينة

الغبار والعوالق الكلية

ثاني أكسيد الكبريت

ثنائي أكسيد الآزوت

المعايير المسموح بها من قبل منظمة الصحة العالميةWHO))

90

50

40

دمشق

418

96

122

بكين

377

90

122

مكسيكو

279

74

130

أثينا

178

34

64

طوكيو

49

18

68

كوبنهاغن

61

7

54

برلين

50

18

26

سنغافورة

صفر

20

30

 

 

 

حلول ممكنة:

يمكن معالجة الاختناقات المرورية بتقليل الإشارات المرورية، وتشجيع النقل الجماعي للمواطنين والموظفين، والعمل على إنشاء المرائب الطابقية والأسواق المركزية وإلزام الأبنية الحديثة بتخصيص مرآب وتنظيم دخول السيارات إلى الأماكن المزدحمة، إضافةً إلى نقل الدوائر الحكومية إلى الضواحي وتخفيف الضغط السكاني عن المدينة، وتحسين مواصفات الوقود الرديء المستخدم، خاصة المازوت من خلال تخفيض نسبة الكبريت العالية فيه وتركيب المحول لكل السيارات الحديثة والقديمة لتحويل الغازات الضارة بالصحة إلى غازات غير ضارة، وكذلك استخدام وسائل نقل صديقة للبيئة تعمل على الكهرباء والغاز، حيث وضعت مقترحات لإحداث منظومة نقل كبيرة ومتطورة في المستقبل تستخدم الطاقة الكهربائية فيها وتعتمد على النقل الكهربائي السككي (ومنه المترو)، تلبية للحاجة المتزايدة لحركة انتقال الركاب وتوزيعهم في المدينة، وربطهم مع التجمعات السكنية في الإقليم إذ أن اعتماد مدينة دمشق حالياً وبشكل كلي على الميكرو باصات كواسطة وحيدة للنقل الجماعي فيها هو أمر لا يتلاءم مع أهمية المدينة ووضعها الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، كذلك يجب العمل على التخلص من السيارات القديمة والحكومية خاصة، ودراسة تدفق السيارات الحديثة بما يتوافق مع القدرة على مكافحة عملية التلوث الناجمة عنها، والمحافظة على المناطق الخضراء، وتطبيق شروط نسبة الشريط الأخضر عند تشييد الأبنية والمنشآت والقيام بحملة تشجير مكثفة، وإبعاد المناطق الآهلة بالسكان عن الطرق السريعة، ولابدّ من توعية المواطنين وخاصةً السائقين لأهمية الالتزام بالقوانين وعدم مخالفتها، للمحافظة على نظافة الهواء وصحة الناس والاستعانة بوزارة التربية عبر المناهج التعليمية والوزارات الأخرى.

إن مستوى تنظيم حركة النقل الداخلي في المدن هو أساس التنظيم المروري المتكامل الذي يعكس مدى التطور الحضاري الذي وصلت إليه، إذ أن أول ما يشاهده الإنسان في أي مدينة هو مقدار الانتظام في حركة المواصلات فيها، ومدى الالتزام بتطبيق قواعد المرور وسلامة الحركة لوسائط النقل والمشاة أثناء انتقالهم والعبور عبر التقاطعات، وكذلك مستوى الخدمة والرفاهية التي تقدمها وسائط النقل العامة وأنواعها وهذا الانطباع هو الذي يبقى في الذاكرة عن تلك المدينة وحضارتها.

ينبغي على وسائط النقل أن تلبي حاجة النقل المتنامية وتقوم بتأمينها حسب المتطلبات الضرورية للسكان القاطنين فيها، لذلك يعمل الاختصاصيون والفنيون بشكل مستمر على متابعة موضوع النقل الداخلي وتطويره وفق متطلبات الحركة، ووفق النمو الجغرافي والعمراني، وتنامي الفعاليات الاقتصادية وازدهارها في تلك المدينة، وذلك لاختيار وسائط النقل المناسبة التي تلبي حاجة الركاب وتحقق عملية انتقالهم وتوزيعهم بالشكل الأنسب.

  

إعداد: كلادس الصارم - إجازة في الإعلام / مجلة النقل الإلكترونية

المراجع:

- صفوان أخرس: ندوة النقل العام والمرور في المدن 15 – 16 أيلول 2004 بحث بعنوان الآثار البيئية والصحية للملوثات الكيميائية في قطاع النقل والمرور.

- نبيل خضور: تلوث الهواء في دمشق الناتج عن وسائط النقل، بحث أعد لنيل درجة الدبلوم في التخطيط الاقتصادي والاجتماعي عام 2008.

- المكتب المركزي للإحصاء: المجموعة الإحصائية للأعوام (2006- 2007- 3008- 2009- 210- 2011).