قناة بنما


 

 

 

 

تُعد قناة بنما من أهم وأعظم الإنجازات الهندسية في العالم، كما تعتبر ممراً مائياً هاماً يربط بين المحيط الهادي ومنطقة بحر الكاريبي، ويعد بوابةً ومركزاً رئيسياً للنقل التجاري والعسكري في العالم، يصل بين الأميركيتين الشمالية والجنوبية، ويسهل عبور التجارة البحرية بين دول العالم.

 

المقترحات الأولى لإنشاء القناة

ظهرت أول المقترحات من أجل إنشاء قناة تعبر برزخ بنما سنة /1543/ م عندما أمر كل من ملك إسبانيا، وكارلوس الخامس بدراسة مسار بنما من أجل تسهيل عملية التجارة البحرية من إسبانيا إلى البيرو وبالعكس، ويوفر ناحية عسكرية تكتيكية للإسبان ضد البرتغال. ويعود أقدم ذكر مرصود للقناة إلى عام/ 1534/م، عندما أمر الإمبراطور الروماني وملك إسبانيا شارل الخامس بدراسة واستقصاء السبل التي من شأنها أن تخفف الطريق على السفن المنطلقة من إسبانيا والبيرو، وخلال رحلة استكشافية بين عامي/1788 - 1793/م انتهى أليساندور مالاسبينا من خطط بناء القناة. ونظراً لموقع القناة الاستراتيجي والإمكانات المتوفرة فيها والتي تقوم بوصل اثنين من أكبر المحيطات في العالم، فقد تمت محاولات لإجهاض إنشاء هذه القناة بإنشاء خط تجاري بري، إلا أن الظروف القاسية في ذلك الوقت لم تيسر هذه المحاولات في نيسان من عام/1700/م. وفي عام /1849/م تم اكتشاف الذهب في كاليفورنيا، الأمر الذي أعطى أهمية كبيرة لوجود القناة لدورها في تسهيل عبور السفن بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادي. وفي نهاية الأمر تم بناء سكة حديدية في عام /1855/م في بنما لتسهل عبور هذا المضيق. وأصبحت هذه السكة هي الرابط البري الحيوي بين بنما ونصف الكرة الغربي، وسهل هذا الأمر من تنقل التجارة بشكل كبير، وكذلك قلل من أهمية القناة فيما بعد.

 

محاولات البناء الفرنسية 1881 – 1894م

بدأت أول محاولة لبناء القناة عن طريق ما كان يعرف آنذاك بمقاطعة كولومبيا على بنما في/1/ كانون الثاني عام /1881/م، وقد تم تصميم مشروع القناة ليكون على مستوى سطح البحر، وكان تحت قيادة فرديناند دي ليسبس الذي قام ببناء قناة السويس بتمويل كبير ودعم من باريس في ذلك الوقت، وقد بدأت فكرة إنشاء القناة لصعوبة الوصول إلى المناطق المدارية، وقد أفلست فرنسا في ذلك الوقت بعد أن قامت بدفع مبلغ /287.000.000/ دولار لبناء القناة، وخسارة أكثر من/22/ ألف شخص كانوا يعملون في بناء القناة بسبب الأمراض المنتشرة مثل الملاريا والحمى الصفراء والانهيارات الصخرية، هذا العدد الضخم من الوفيات قلل من وجود القوى العاملة ذات الخبرة، مما سبب الكثير من المشاكل في استمرار العمل، وكذلك عانى الفرنسيون أثناء بناء القناة من فساد الإدارة المالية، وكذلك الفساد السياسي، كل ذلك أدى إلى قيام الشركة المكلفة ببناء القناة بإعلان إفلاسها في15 أيار عام/ 1889/م. تلا ذلك خروج فضيحة سميت بفضيحة بنما، وحوكم العديد من المسؤولين الذين اتهموا باختلاس الأموال المخصصة لبناء القناة، وكان على رأسهم تشارلز دي ليسبس وكذلك ابنه فرديناند، وتم الحكم عليهم بالسجن خمس سنوات، وتم نقضها فيما بعد، وفي عام /1894/م قامت شركة فرنسية أخرى تسمى             / Compagnie Nouvelle du Canal de Panama /تتولى مشروع بناء القناة إلا أنها فشلت فيما بعد كذلك.

 

استحواذ الامريكيين على القناة

في/1 آب/ من عام 1902 م اشترت أمريكا حقوق قناة بنما من الفرنسيين، حيث كان الفرنسيون هم من كلفوا أولاً بشق هذه القناة، إلا أن المشروع الفرنسي تعطل لأسباب عديدة منها طريقة تصميم المشروع، فقام الأمريكيون بالمشروع في تصميم آخر معتمدين فيه على مبدأ بناية السدود على نهر تشاجرز Chagers. وقام مجلس الشيوخ الأمريكي بمناقشة رغبة الولايات المتحدة في بناء قناة تخترق الجنوب الأمريكي لتسهيل نقل البضائع التجارية، فأبدى البعض منهم رأياً ببناء قناة جديدة تمر عبر قناة نيكاراغوا، وأبدى البعض الآخر رأياً بالاستحواذ على مشروع قناة بنما الذي لا يزال في فشل. وفي حزيران من عام/ 1902/م صوت مجلس الشيوخ الأمريكي على الخيار البنمي. وفي22 كانون الثاني من عام/ 1903/م قام وزير الخارجية الأمريكية جون هاي، ووزير الخارجية الكولومبي توماس هيران بتوثيق معاهدة "هاي هيران"، ويُمكِّن هذا التوقيع الولايات المتحدة من استئجار القناة بعقد قابل للتجديد للأبد، وتمت المصادقة على هذه المعاهدة من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي بتاريخ /14/آذار /1903 /م ، ولكن مجلس الشيوخ الأمريكي لم يقم بالمصادقة عليها، فقامت الولايات المتحدة بمنع السفن الكولومبية من التحرك في الممرات البحرية الأمريكية للضغط على الحكومة الكولومبية من أجل السماح لها بالاستحواذ على مشروع قناة بنما، ولقاء ذلك قامت الحكومة الكولومبية بتوقيع اتفاقية جديدة باسم "هاي بوناو فاريلا"، والتي قامت بمنح الحكومة الأمريكية حق بناء القناة وإدارتها لأجل غير مسمى.

خضعت منطقة القناة للولايات المتحدة الأمريكية بموجب اتفاقية بين البلدين بدأت من سنة 1978م وانتهت سنة 1999م. استعادت جمهورية بنما سيادتها على القناة بعد إدارة الولايات المتحدة الأمريكية لها 85 عاماً.

دفعت الولايات المتحدة الأمريكية تكلفة بلغت حوالي/380/ مليون دولار أمريكي تقريباً. وقد عمل آلاف العمال في هذه القناة لمدة عشر سنوات مستخدمين مجارف البحار وآلات رفع الأتربة، ليشقوا طريقهم عبر الغابات والتلال والمستنقعات وكان على أولئك العمال أن يتغلبوا على مشكلة الأمراض المدارية مثل الملاريا والحمى الصفراء. انتهت أعمال شق القناة عام/1914/ وعملت على تقصير مسافة رحلة السفن بين مدينة نيويورك وسان فرانسيسكو إلى أقل من/8،370/ كم حيث كان على السفن التي تقوم بمثل تلك الرحلة، أن تبحر حول أمريكيا الجنوبية قاطعة مسافة/20،900/ كم، وبلغت حركات المرور السنوية خلال الأيام الأولى لإنشائها /100/ سفينة وارتفعت إلى /14702/ سفينة عام/2008/.

 

خصائص القناة

الموقع

تقع قناة بنما في دولة بنما، ويبلغ طولها 77 كيلومترا، وتمتد من خليج ليمون في المحيط الأطلسي إلى خليج بنما على المحيط الهادي، ويبلغ أضيق جزء من القناة في معبر جيلارد /150/ متراً، وأوسع جزء منها يقع في بحيرة جاتن يبلغ /422/ كلم مربع.

التاريخ

بدأت شركة فرنسية في بناء قناة بنما عام 1881، لكنها تخلت عن المشروع بسبب صعوبات مادية وتقنية، ووقعت الولايات المتحدة معاهدة مع بنما لإنجاز المشروع ابتداءً من عام 1902 وبلغت تكلفته /380/ مليون دولار.

شارك في بنائها أربعون ألف عامل من حوالي خمسين بلداً، وخلفت عمليات حفرها وفاة عشرين ألف عامل بسبب حوادث وكذا أمراض فتاكة. وافتتحت قناة بنما يوم /14/ آب 1914. وبعد حوالي /85/ عاماً من السيطرة الأميركية على إدارة بنما، انتقلت إدارتها إلى لجنة مشتركة أميركية بنمية عام 1979، ثم تسلمت بنما إدارتها نهائياً في /31/ كانون الأول 1999.

وشكلت القناة سبباً رئيسياً لتوتر العلاقات بين بنما والولايات المتحدة بسبب الخلاف حول السيادة والتحكم في مراقبة القناة والمنطقة المحيطة بها، حيث قام سكان بنما عام 1964 باحتجاجات عنيفة بسبب منع رفع علمهم قرب العلم الأميركي بمنطقة القناة. ودفع ذلك بنما حينها إلى قطع علاقاتها مع الولايات المتحدة. وفي عام 1977 وقع الرئيس الأميركي جيمي كارتر ورئيس بنما الجنرال عمر توريخوس معاهدات لنقل بلاده سلطة مراقبة القناة عام 1999 مقابل منح واشنطن حق استعمال القوة العسكرية للدفاع عن القناة ضد أي تهديد لحياديتها.

 

جوانب تقنية

يتراوح الوقت الذي تستغرقه السفن لعبور القناة بين ثمان وعشر ساعات، وتتوفر على ثلاثة محابس مائية يطلق عليها اسم "أهوسة"، ومفردها "هويس" ويعني سلماً مائياً، تمر عليه السفن الضخمة عندما يكون هناك اختلاف بين منسوب المنطقة التي توجد بها السفينة. ويتيح حينها مرور السفن بانسيابية دون أن تتعرض لانقلاب، وتساعد السفن على العبور بسبب اختلاف منسوب المياه بين المحيطين الأطلسي والهادي، ويشتغل في القناة /10/ آلاف مستخدم، وتظل مفتوحة على مدار الساعة طوال العام. ولا يتجاوز غاطس السفن في القناة الــ /12/ متراً، ويتطلب تعويم باخرة واحدة عبر "محابس" القناة أكثر من /190/ مليون لتر من المياه العذبة، وبسبب العدد الكبير الذي يعبر القناة سنوياً فإن ذلك يؤدي إلى استهلاك نحو /2660/ مليار لتر سنوياً من المياه، وقد عمدت السلطات البنمية عامي 1998 و2015 إلى خفض حجم السفن العملاقة المسموح لها بالمرور بالقناة بسبب ظروف مناخية أدت إلى خفض مستويات المياه في بحيرتي "غاتون" و"ألاخويلا"، وأثرت على نحو /20 %/ من حجم حركة القناة.

 

أهمية القناة

قلصت قناة بنما رحلة السفن حول الأميركيتين من /21/ ألف كلم إلى /8000/كم، بفارق /13/ ألف كلم، وأتاحت الربط بين /160/ دولة و/1700/ ميناء حول العالم. ويمر عبرها حوالي /5%/ من حجم التجارة العالمية. ويصل عدد السفن التي تمر بها سنوياً إلى /14/ ألف سفينة، في مقدمتها السفن الأميركية والصينية واليابانية، إلى جانب سبعين ألف حاوية قياسية أسبوعياً، وتبلغ إيرادات القناة السنوية نحو /1.8/ مليار دولار، وهو ما يمثل نسبة /6%/ من الناتج المحلي الإجمالي لبنما، ويصل العدد الأقصى للحاويات التي تحملها السفن العابرة للقناة /5000/  حاوية، وكان من المقرر أن تبلغ /13/ ألفاً بعد افتتاح مشروع للتوسعة بها مقرر في عام 2016 الذي يهدف إلى استيعاب سفن أضخم من أجل الزيادة في كمية البضائع المنقولة، باستعمال كميات أقل من المياه، وانبعاث أقل لثاني أكسيد الكربون، وقد ارتكز مشروع توسعة القناة، على إنشاء مسار جديد للسفن العابرة لها من خلال إنشاء سلسلة جديدة من "الأهوسة"، ومضاعفة حجم استيعابها لسفن ضخمة، وزيادة عدد الحاويات، وخلق قرابة /30/ ألف فرصة عمل جديدة، بتكلفة بلغت ما يقارب خمسة مليارات دولار.

كان على منشئي القناة التعامل مع مجموعة متنوعة من العقبات، بما في ذلك التضاريس الصعبة، والطقس الحار والرطب والأمطار الغزيرة، والأمراض المدارية المتفشية، وأدت المحاولات الفرنسية السابقة إلى مقتل أكثر من /20/ ألف عامل ولم يكن أداء الولايات المتحدة أفضل قليلاً، بين عامي 1904 و 1913 فقد توفي حوالي /5600/ عامل بسبب المرض أو الحوادث.

 

ما بين /13000/ و/14000/ سفينة تستخدم القناة كل عام

تستخدم السفن الأمريكية القناة أكثر من غيرها، تليها السفن القادمة من الصين وتشيلي واليابان وكولومبيا وكوريا الجنوبية. يجب على كل سفينة تعبر القناة أن تدفع رسوماً بناءً على حجمها وحجم حمولتها، يمكن أن تصل رسوم أكبر السفن إلى حوالي /450/ ألف دولار. وكانت أقل حصيلة تم دفعها على الإطلاق هي /36/ سنتاً ، واليوم يتم تحصيل حوالي /1.8/ مليار دولار من الرسوم سنوياً. وتسعى إدارة قناة بنما "إيه سي بي" التي انخفض مستوى المياه فيها بسبب التغيّر المناخي، إلى إيجاد حلّ مستديم لضمان تشغيل هذا الممر المائي المهم للتبادلات التجارية. وتشهد القناة عبور 3,5  في المئة من إجمالي التبادلات التجارية العالمية، وفق ما صرّح خوسيه ريّس، نائب رئيس المشروع، خلال مؤتمر صحفي.

وفي عام 2019 شهد الحوض المائي للقناة نقصاً شديداً في المتساقطات ولم يُجمع فيه سوى /3/ مليارات متر مكعّب من المياه، علماً أن القناة بحاجة عادة إلى /5,2/ مليار متر مكعب لتشغيلها. وتعتزم إدارة قناة بنما استثمار نحو ملياري دولار في مشروع تزويد المياه الذي جرى الإعلان عنه. ومن الحلول المحتملة، ضخّ المياه الجوفية، وتشييد السدود، وتحلية مياه البحر، والتزوّد من منشآت لمعالجة المياه. وأكدت السلطات أن نقص المياه هو أكبر تحدّ يواجه القناة، وهذا الأمر اضطرها إلى اعتماد إجراءات للتخفيف من حدّة المشكلة. وخلال السنة المالية 2019، سجّلت القناة رقماً قياسياً للإيرادات بلغ (3,354 مليار دولار) بينما بلغت الحمولات (450,7 مليون طنّ).

 

هندسة قناة بنما

تؤمن القناة عملية نقل السفن وفق ثلاث مراحل تتطلب تغيير مستويات المياه في حجرات مائية خاصة (ثلاثة أطقم من الحجرات) تدعى الأهوسة، تعمل على رفع السفن وخفضها من مستوى إلى آخر، وقد بنيت تلك الأهوسة على شكل أزواج بغرض تمكين السفن من المرور في كلا الاتجاهين في آن واحد. يبلغ طول الهويس المستخدم /300/م، وعرضه /34/م، وبعمق /20/م، وتحدد أبعاد الهويس حجم السفن التي بوسعها استخدام القناة، فعلى سبيل المثال لا تتمكن ناقلات النفط التجارية العملاقة أو حاملات الطائرات العملاقة التابعة للأسطول الأمريكي من المرور بهذه القناة، وكانت تعد تلك المسألة إحدى عيوب القناة التي كانت سبباً في عملية توسعة هائلة تكاد توازي عملية البناء الأساسية للمشروع.

تدخل السفينة المبُحْرة من المحيط الأطلسي عن طريق خليج ليمون ميناء مدينة كريستوبال بالقرب من مدينة كولون في الوقت الذي تكون فيه السفينة لاتزال في المياه العميقة، يصعد أحد مرشدي القناة على ظهر السفينة قادماً من قارب صغير، ولدى صعوده يصبح مسؤولاً مسؤولية كاملة عن السفينة أثناء رحلتها في القناة، وبعد المرور خلال الحاجز المنصوب في مدخل الخليج، تتجه السفينة جنوباً في القناة لمسافة /11/كم في طريقها إلى هويس جاتن. وفي السابع من أيار عام 1914م كان عبور أول باخرة بمشهد يلقط الأنفاس.

 

أهوسة جاتن

تبدو أهوسة جاتن وكأنها سلالم عملاقة. تتكون تلك الأهوسة من ثلاثة أزواج من غرف إسمنتية تعمل على رفع السفن لمسافة /26/م فوق مستوى البحر تقريباً، لتنقلها إلى بحيرة جاتن. وهناك قاطرات صغيرة تعمل بالتيار الكهربائي وتسمى البغال/Piers /، تسير على سكك حديدية على جانبي الأهوسة. تساعد تلك القاطرات على وضع السفن في الأهوسة وتثبيتها، كما أنها تسحب السفن الصغيرة وترشدها أثناء عبور الأهوسة، وتعبر السفن الكبيرة خلال الأهوسة بقوتها الذاتية، إلا أن القاطرات تساعد في سحبها وإرشادها.

ولدى اقتراب السفن الصغيرة من الغرفة الأولى تتوقف محركاتها. أما السفن الكبيرة فتبقى محركاتها في حالة تشغيل، ويقوم عمال القناة بتثبيت نهايات حبال القاطرات بالسفينة. وبعد ذلك تقوم القاطرات بسحب السفن الصغيرة، أو تعمل على المساعدة في سحب السفن الكبيرة، إلى الغرفة الأولى، وتغلق البوابات الفولاذية الضخمة خلف السفينة، ويقوم عمال القناة بفتح صمامات تسمح بتدفق الماء من بحيرة جاتن إلى الغرفة من خلال فتحات في الجزء السفلي من الهويس، وخلال مدة تتراوح ما بين /8/ إلى /15/ دقيقة يرفع الماء المتدفق السفينة ببطء، وفي الوقت الذي يصل فيه مستوى الماء المتدفق إلى مستوى الماء في الغرفة الثانية تنفتح البوابة الموصدة أمام السفينة إلى الخارج فتسحب القاطرات السفينة أو تساعدها على الانتقال للغرفة الثانية، ومن ثم يرتفع مستوى الماء ثانية، وتتكرر هذه العملية إلى أن تعمل الغرفة الثالثة على رفع السفينة إلى مستوى بحيرة جاتن.

 

بحيرة جاتن

يقوم عمال القناة بإرخاء الحبال فتبحر السفينة خارج الهويس بقوتها الذاتية. وبعد ذلك تشق طريقها جنوباً عبر المياه الهادئة لبحيرة جاتن، ثم تمر عبر سد بحيرة جاتن نحو الجهة الغربية من الأهوسة. والجدير بالذكر أن هذا السد (البحيرة) الذي تبلغ سعته /18/ مليون م3 من الماء، هو أحد أكبر السدود في العالم. لقد كون سد جاتن هذه البحيرة التي تبلغ مساحتها /422/كم²، بحجزه مياه نهر شاجريز، الذي يصب في المحيط الأطلسي بالقرب من نهاية القناة، تتابع السفينة سيرها عبر البحيرة من أهوسة جاتن إلى جامبوا، سالكة طريقاً في القناة يبلغ /35/كم، وهذا الطريق كان في الماضي وادياً لنهر شاجريز.

تبرز قمم الأشجار والتلال في هذا الوادي فوق الماء، والواقع أن المياه كادت تغمرها، عندما قام المهندسون بإغراق الوادي لإنشاء بحيرة جاتن. فكانت أزهار البنفسج والأوراق الخضراء لنبات الزنبق تطفو على سطح البحيرة، وهذه النباتات بسيقانها الخشنة الطويلة، قد تتشابك مع مراوح السفن، وقد تشكل خطراً على الملاحة، ولذلك تقوم الدورية بالقضاء على ملايين النباتات للمحافظة على تأمين سير السفن في القناة.

 

معبر جيلارد

عندما تصل السفينة، إلى الطرف الجنوبي الشرقي لبحيرة جاتن، فإنها بذلك تدخل معبر جيلارد الذي يبلغ طوله /13/كم، وعرضه /150/م وعمقه /13/م في أقل المناطق عمقاً. وكلمة معبر مصطلح هندسي يشير إلى قناة أو ممر تم إنشاؤه اصطناعياً. ويمتد معبر جيلارد بين جولد هل شرقاً وكونتراكترهل غرباً. وكان معبر جيلارد يسمى أصلاً معبر "كوليبرا" إلا أنه في عام 1913م أعيدت تسميته تكريماً للمهندس "ديفيد دوبوس جيلارد" المسؤول عن الحفر بين التلال، ترفع الآلات الوحل والأتربة باستمرار من أجل المحافظة على القناة خالية من الانزلاقات الأرضية، والواقع أنه في بعض السنوات رفعت تلك الآلات ما مجموعه  /3800،00 /متر من الأتربة من معبر جيلارد.

 

أهوسة بيدرو ميغويل وميرافلوريس

بعد أن تخرج السفينة من معبر جيلارد، تسحب القاطرات السفينة أو تساعد على سحبها إلى أهوسة بيدرو ميغويل. تخفض هذه الأهوسة منسوب ارتفاع المياه إلى مسافة تسعة أمتار في مرحلة واحدة لتدخل السفينة بحيرة ميرافلوريس، ومن ثم تبحر السفينة مسافة /2,4/كم عبر البحيرة لتصل إلى أهوسة ميرافلوريس. وهنا تقوم غرفتان بإنزالها لتصبح في مستوى المحيط الهادي. وتعتمد المسافات التي يجب أن تقوم الغرف بإنزال السفينة إليها، على مدى ارتفاع المد أو الجزر في المحيط الهادي. ويصل الفرق بين أعلى ارتفاع للمد وأدنى انخفاض للجزر عند طرف القناة المتصل بالمحيط الهادي إلى نحو أربعة أمتار، أما تقلبات المد والجزر في المحيط الأطلسي فتتغير صعوداً أو هبوطاً بمعدل /60/سم يومياً تقريباً.

وبعد خروج السفينة من الأهوسة، تتجه عبر قناة طولها /13/كم فيما بين أهوسة ميرافلوريس ونهاية القناة، وفي رحلتها هذه تمر بمدن" بالبوا ولابوكا" ومرتفعات "بالبوا"، كما تمر السفينة أيضاً تحت جسر تاتشر فيري، الذي بلغت تكلفته عشرين مليون دولار أمريكي، ويُعد هذا الجسر حلقة وصل مهمة في الطريق العابر للأمريكتين، وبعد أن يغادر مرشد السفن تدخل السفينة خليج بنما، ثم تشق طريقها باتجاه البحر المفتوح. وبذلك تكون قد قطعت مسافة تزيد قليلاً على /80/كم، فيما بين المحيطين الأطلسي والهادئ خلال ثماني ساعات تقريباً.

 

قناة بنما حديثاً

في عام 1986م شرعت الولايات المتحدة واليابان وبنما في إجراء دراسات لمقترحات بشأن توسيع القناة، أو شق قناة جديدة على مستوى سطح البحر. فالقناة ليست بالاتساع الكافي لمرور ثنائي الاتجاه، وأن ممراً مائياً في مستوى البحر لا يتطلب وجود أهوسة. والواقع أن كثيراً من السفن لا تتمكن من المرور عبر نظام الأهوسة الحالي. وفي عام 1992م بدأ العمل في توسعة القناة.

 

 

إعداد: مالك الخضري

إجازة في الإعلام / جامعة دمشق

 

 

المصادر:

  1. الموسوعة العربية العالمية.
  2. اليوم السابع المصرية عدد 15/6/2021.
  3. قناة سكاي نيوز العربية 2018.
  4. موقع سطور 6/1/2020.
  5. قناة /CANN /26/6/2018.