دور أنظمة النقل الذكية في حل المشكلات المروریة والحد من التلوث


 

مقدمة:

یعد النقل الركيزة الأساسية للاقتصاد نظراً لدوره الفعال في توفير احتياجات مختلف القطاعات، وتنشيطه لتجارة الدولة، إضافة إلى توفير احتياجات أفراد المجتمع. غیر أن تزايد عدد السكان واعتمادهم على وسائط النقل أدى إلى ظهور مجموعة من المشكلات المرورية كالازدحام المروري والحوادث المروریة، ارتفاع مستويات التلوث، وزيادة وقت التنقل فضلاً عن استهلاك الطاقة، وقد كانت هذه المشكلات تحل بالطرق التقليدية من خلال إنشاء طرق جديدة أو توسيع الطرق القائمة، مما یوفر حلاً على المدى القصير فقط، إلا أنها تشكل عبئاً مالیاً وتشغیلیاً وبیئیاً متزایداً على المدى الطویل. غیر أن التطور التقني الذي شهده القرن العشرون من اتساع كبیر لتكنولوجيا المعلومات واستخدامها یوفر حلولاً حديثة وجذرية لهذه المشكلات بفضل أنظمة النقل الذكية التي تمكن من الاستفادة القصوى من السعة الكامنة غیر المستخدمة للطريق اعتماداً على التقنيات الحديثة وصولاً إلى إدارة مرورية أكثر كفاءة.

 

 

أهداف أنظمة النقل الذكية:

یسعى نظام النقل الذكي إلى تحقيق جملة من الأهداف نلخص أهمها على النحو الآتي:

زيادة الكفاءة التشغيلية لنظام النقل وزيادة سعته باتخاذ مجموعة من الإجراءات نذكر منها: زيادة السرعات وتقليل التوقفات، تقليل التأخير عند نقاط التقاطع بين وسائط النقل، ورفع مستوى إدارة شبكة الطرق باعتماد تفعيل الطاقة الاستيعابية لشبكة الطرق.

 تحسین مستويات الحركة والراحة للمتنقلين من خلال تقليل زمن الرحلة وزيادة موثوقيته وتقليل تكلفته، زيادة مستوى السلامة والأمن الشخصي وغيرها.

تحسین مستوى السلامة المروریة عن طريق تقليل عدد الحوادث وشدتها وتكلفتها، مما يؤدي لتقليل عدد الوفيات وزيادة مستوى الأمن الشخصي.

تخفيض استهلاك الطاقة والحد من الآثار البیئیة الضارة من خلال تقليل انبعاثات العوادم واستهلاك الوقود بسبب الازدحام، تقليل التلوث بالضجيج، وتقليل الإزعاج الناجم عن حركة المرور ضمن الأحیاء السكنية.

تحسین الإنتاجية الاقتصادية بزيادة التنسيق والتكامل في عمليات الشبكات وإدارتها واستثمارها، وزيادة القدرة على التكيف مع متطلبات أداء النظام وتقنياته وغيرها.

 

مكونات أنظمة النقل الذكية:

تتألف أنظمة النقل الذكية من مجموعة من المكونات نوجزها فیما یلي:

 وسائل تجميع المعطيات:

وتشمل مختلف الأجهزة المسؤولة عن جمع كافة المعطيات المتعلقة بالحركة المرورية، السعة والسرعة، والمتمثلة أساساً بـ: كاميرات التعداد، تصوير المركبات على الطرق، كاميرات مراقبة المواقف ووسائل النقل العام فضلاً عن أجهزة الاستشعار.

 

تقنيات معالجة البيانات:

وتتمثل في البرمجيات والأجهزة التي تقوم بمعالجة البيانات والمعطيات التي تم جمعها لإدارة نظم النقل بشكل تجاوب مع التغيرات التي تطرأ على هذه النظم وتلاءم مع الواقع، ومن ثم توفير مختلف المعلومات لمستخدمي هذه النظم بشكل يحقق الأمان والفعالية في استخدامهم لمختلف وسائط النقل.

 

 تقنيات التحكم ونقل المعلومات:

وتتضمن مختلف التقنيات المسؤولة عن نقل المعلومات المستخلصة من تحلل البيانات المجمعة لدى إدارة المرور إلى أرض الواقع، وتشمل مختلف وسائط التحكم مثل: إشارات المرور، إشارات الارشاد والتحذير، التنسيق مع وسائل النقل العام والهيئات القائمة على مختلف فعاليات النقل، وإنشاء غرف تحكم وبنوك معلومات المرور والنقل، ووسائل نقل المعلومات إلى مستخدمي نظام النقل مثل: تقنيات إيصال المعلومات للمستخدم أثناء الرحلة كالراديو والهاتف النقال.

 

تطبيقات أنظمة النقل الذكية ومساهمتها في حل المشكلات المروریة والحد من التلوث:

 تتألف أنظمة النقل الذكية أساساً من عدة أنظمة فرعية تؤدي كل واحدة منها وظائف عديدة تساهم في حل المشكلات المروریة وارتفاع معدلات التلوث، وفیما یلي تلخيص لكل منها:

 

الأنظمة المتقدمة لإدارة المرور:

تدمج مختلف النظم الفرعية التي تسمح بتوفير البيانات المختلفة لمركز التحكم الآني عن وضعية المرور في الوقت الحقیقي والتنبؤ بظروفه مما يسمح بتخطيط أكثر كفاءة للعمليات، وتوفر هذه الأنظمة عدة مزايا من بینها:

التحكم بالمرور من خلال تقییم أداء الطرق السريعة والشوارع المزودة بالإشارات المروریة والتنسيق بینها وببن عمليات النقل العام لموازنة الطلب مع السعة ضمن نظام النقل.

إدارة الحوادث باستخدام تقنيات متقدمة تسمح بالكشف المبكر عن وجود الحوادث الطارئة والتأكد من وقوعها بهدف تحسین زمن الاستجابة لها بإرسال الفرق والمعدات اللازمة لمعالجتها.

إدارة الازدحام المتكرر وغير المتكرر وما ینتج عنه من انعكاسات سلبية متمثلة في زيادة مدة الرحلة وتكلفتها ومخاطر التعرض للحوادث إضافة إلى زيادة معدل التلوث بسبب الوقود المحترق أثناء الازدحام، وذلك اعتماداً على وسائل عديدة منها: استخدام اللوحات الإلكترونية المتغيرة لحدود السرعة، استخدام اللوحات الإلكترونية لمعلومات الرحلة والازدحام.

إدارة الطلب على الانتقال بتطبيق نظام استخدام الحارات المروریة المخصصة للمركبات عالية الإركاب، وكذا التحكم بمواقف السيارات وتكلفتها وتسعيرة الدخول للطرق واستخدام أساليب إعطاء أفضلية الحركة.

اختبار العوادم من خلال مراقبة جودة الهواء اعتماداً على الحساسات، واتخاذ الاجراءات الكفيلة بتقليل الانبعاثات الغازية بناء على المعلومات المجمعة.

 

 الأنظمة المتقدمة لمعلومات المتنقلين:

تقوم هذه الأنظمة بالحصول على المعلومات من الجهات المختصة وتحليلها وتوصيلها وعرضها لمساعدة المستخدمين على الحركة من مكان انطلاقهم إلى المكان الذي يقصدونه، من خلال تزويدهم بمعلومات تسمح لهم باختيار وسائط النقل المناسبة، أزمنة التنقل، قرارات اختيار المسارات قبل المغادرة، كما تساعدهم خلال الرحلة للوصول إلى وجهتهم في أقل وقت ومن خلال استخدام أقصر الطرق، إضافة إلى تزويدهم بمعلومات عن الحالات الطارئة على الطرق، الاختناقات المروریة والبدائل المتاحة. ولعل من أهم التجارب العربية في هذا المجال مخطط الرحلات الذكي الموسوم "وجهتي" الذي أطلقته هيئة الطرق والمواصلات في إمارة دبي باللغة العربية لأول مرة على مستوى العالم، والذي یوفر كافة المعلومات للمتنقلين عبر وسائط النقل المختلفة حول مواعيد الوصول، التعرفة الواجب دفعها، إرشادات الوصول للوجهة المقصودة، الزمن المستغرق للوصول للوجهة المطلوبة، التنبيه في حالة تأخر الرحلات، مما يسمح للمتنقلين بتخطيط رحلاتهم واختيار وسائط النقل المناسبة للوصول إلى وجهتهم.

 

الأنظمة المتقدمة لمراقبة المركبات:

توفر الأنظمة المتقدمة لمراقبة المركبات تقنيات متطورة من خلال الجمع بین الحساسات والحاسبات الآلية ونظم التحكم في المركبات، وتساعد المركبات على تحديد المعوقات التي تواجهها وتلافيها من خلال توفير عدة مزایا نذكر منها:

تفادي الاصطدام الأمامي من خلال الكشف المسبق عن الاصطدامات المحتملة والعوائق الثابتة أمام المركبة وخلفها وتحسين أداء السائق لتفاديها وكذا التحكم المؤقت في المركبة في حالة النظم المتطورة، مما یساهم في تقليل التعرض للإصابات والأضرار.

تفادي الاصطدام الجانبي من خلال التحذير من الاصطدامات عند الانتقال من شارع إلى آخر وعند مغادرة حافة الطريق، مما یساهم في تخفيض عدد الاصطدامات الجانبية وأضرارها.

تفادي الاصطدام عند التقاطعات التي تتكرر عندها هذه الاصطدامات والمخالفات بسبب عدم وضوح أفضلية المرور عندها.

حمایة الركاب عند الاصطدام من خلال تشغيل وسائل الأمان عند توقع حدوث اصطدام مما بسمح بالحفاظ على سلامة الركاب.

 

أنظمة عمليات المركبات التجارية:

تشمل مجموعة مؤلفة من نظام الملاحة المتصلة بالأقمار الصناعية ومعالجاً صغیراً وراديو رقمي، یمكن استخدامها في المركبات التجارة، مما یتیح الرصد المستمر لعمليات الشاحنات، ویوفر عدة مزايا منها:

توفير خدمة الدفع الإلكتروني المسبق للمركبات التجارية المزودة بأجهزة التخاطب الآلي اللازمة للمرور عبر نقاط التفتيش مثل: محطات البنزين والحدود الدولية دون الحاجة إلى التوقف إذا كانت مستنداتها وحمولتها نظامية.

الفحص الآلي للسلامة من جانب الطريق لكل من المستندات والمركبات والسائقين لغرض الكشف المبكر عن أي خلل في الأنظمة الضرورية للمركبة، ومدى استعداد السائقين للقيادة ومدى صلاحية وثائقهم أيضاً.

الاستجابة السريعة لحوادث المواد الخطرة ومعالجتها من خلال توفير معلومات عن تسربات هذه المواد وتبليغها لمركبات الطوارئ كمركبات الدفاع المدني لاتخاذ الإجراءات اللازمة.

 

الأنظمة المتقدمة للنقل العام:

تشمل استعمال التقنيات الإلكترونية المتقدمة لتنفيذ وتشغيل مركبات النقل، ومن أهم تطبيقات هذه الأنظمة في خدمة المستخدمين وتوفير أوقاتهم ما یلي:

قيام الأنظمة الإلكترونية بأداء وظائف التشغيل، التخطيط والإدارة بطريقة آلية وما یوفره من مزایا كثيرة كتحويل جداول الرحلات المخطط لها إلى مواعيد فعلية تحقق متطلبات المستخدمين، تقليل عدد الرحلات الملغاة، إضافة إلى توفير خدمة الدفع الإلكتروني باستعمال البطاقات مسبقة الدفع، أكشاك الخدمة الذاتية، الدفع عن طريق الهاتف النقال، مما يسمح بتوفير جهد مستخدمي مواقف السيارات العامة أو مستخدمي النقل العام.

 

الاستراتيجية المقترحة لتطبيق أنظمة النقل الذكية في سورية:

إن تحديث قطاع النقل البري وتمكينه من توفير خدمات نقل ذات جودة عالية يتطلب صياغة استراتيجية شاملة متضمنة ثلاثة محاور رئيسية:

 

المحور الأول: یتعلق بالتخطيط لاستراتيجي والذي یشمل:

 تحديد المشاكل الحالية التي یعاني منها القطاع وكذا المشاكل المستقبلية المحتملة من خلال تحديد حجم وطبيعة الطلب المستقبلي على خدمات النقل البري.

 وضع الأسس الواجب اعتمادها للتعامل مع هذه المشاكل بعد تصنيفها من حیث ضرورة معالجتها، والجهة المسؤولة عن معالجتها وتكاليفها، إضافة إلى تصنیف أساليب التعامل مع هذه المشاكل حسب الوسائل المستعملة فمنها ما يتطلب إنشاء مرافق جديدة، ومنها ما یحتاج إلى الصيانة وغيرها.

 وضع الأهداف الاستراتيجية لتطوير النقل البري عن طريق التعامل مع المشاكل الحالية والمستقبلية من جهة، والاستفادة من الفرص المتاحة من أجل الارتقاء بقطاع النقل وتطوير الخدمات التي توفرها وسائط النقل من حیث الإنشاء، الصيانة، التطوير على المدى القصير والمدى الطویل، مع الأخذ بعین الاعتبار الآثار البیئیة لهذه الأهداف، والتي یجب أن تركز على حمایة البيئة من خلال العمل على تخفيض انبعاث الغازات الملوثة عن طريق الاعتماد على الطاقات المتجددة بدلاً من الطاقات الأحفورية.

 

المحور الثاني:

يتمثل في التنسيق بین مختلف الجهات المسؤولة والمتمثلة أساساً في: وزارة النقل، وزارة الأشغال العامة، وزارة الإنشاء والتعمير، وزارة البيئة، وزارة النفط والثروة المعدنية، و وزارة المالیة ٕ وإنشاء هيئات تكون إضافة إلى كافة الإدارات والمؤسسات العامة والخاصة ذات الصلة، والمسؤولة على تنفيذ الاستراتيجية المعتمدة للارتقاء بقطاع النقل من خلال رفع مستوى التكامل بین خدمات النقل الحالية والمستقبلية داخل إدارات هذه الجهات على اعتبار أن استخدام وسائل نقل جديدة یكون بالتنسيق مع وسائل النقل المتوفرة وبطريقة تضمن التكامل بینها.

 

المحور الثالث:

یجب أن تتكامل الاستراتيجية المعتمدة للنقل البري مع الاستراتيجيات الأخرى ومنها استراتيجية التنمية العمرانية وخاصة فیما یتعلق باستخدام الأراضي وتوزيع المرافق والخدمات داخل المدن بما یضمن تكاملها.

 

الخاتمة:

 یعتبر قطاع النقل البري الركيزة الأساسية لمختلف الأنشطة في سوريا، غیر أنه یواجه تحديات عديدة منها: الزيادة والتطور في الحاجات لخدمات النقل، زيادة معدل التلوث بفعل زيادة الانبعاثات الكربونية ومختلف الملوثات نتيجة احتراق الوقود الأحفوري لوسائل النقل المختلفة، والتي ساهمت في زيادة المشكلات المروریة وزيادة الآثار السلبية على البيئة. ثم إن معالجة مشاكل النقل البري بتطلب ما یلي:

اعتماد أنظمة النقل الذكية لأنها توفر حلولاً للمشكلات المروریة دون الحاجة إلى إنشاء بنیة تحتية جديدة أو توسيع أخرى قائمة وذلك من خلال الاستغلال الأمثل لشبكات الطرق المتوفرة اعتماداً على تقنيات وتطبيقات متطورة، وكذا تطبيقها على مختلف المحافظات ولیس اقتصارها على المحافظات الكبرى.

تحديد المشاكل المتعلقة بالنقل البري وتحديد المشاريع المقترحة لحلها، مع تحديد الأولويات والتسلسل الزمني لتلبية مختلف الاحتياجات الوظيفية لأنظمة النقل الذكية، مع البدء بمشاريع تجريبية توضيحية مختارة قبل التوسع في تطبيقها.

 تحقيق التكامل بین وسائل النقل البري المتعددة من خلال إشراك وسائل النقل العام وتشجيع استخدام وسائل النقل الصديقة للبيئة وتوفير التسهيلات اللازمة لاستخدامها.

 استبدال وسائل النقل العامة القديمة بأخرى حديثة قائمة على استهلاك الطاقات المتجددة بما یضمن الحفاظ على البيئة وتخفيض معدل الانبعاثات الكربونية.

 إبرام اتفاقيات تعاون مع الدول الناجحة في تطبيق أنظمة النقل الذكية من أجل الاستفادة من خبرتها في هذا المجال.

 

 

إعداد: المهندس إياس سليمان

- إجازة في الهندسة المدنية - نقل ومواصلات.

- ماجستير تخطيط اقتصادي واجتماعي.

-مهندس لدى وزارة النقل - المؤسسة العامة للمواصلات الطرقية فرع طرطوس.

 

 

المراجع:

- ابتسام بولقواس، مساهمة نظم النقل الذكیة في الحد من التلوث البيئي، مجلة رؤى اقتصادية، العدد 06، الجزائر، تموز 2014.

- خلود صادق، محمد سفور، المدن الذكیة ودورها في إيجاد حلول للمشكلات العمرانية: حالة دراسية مشكلات النقل في مدینة دمشق، مجلة جامعة دمشق للعلوم الهندسية، المجلد 29، العدد 02، دمشق، 2013.

- سامیة لحول، ارویة حناشي، مساهمة نظم النقل الذكیة في الحد من التلوث البيئي، مجلة أسيوط للدراسات البیئیة، العدد 40، مصر، تموز2014.

- صوریة شنبي، استخدام استراتيجية النقل الذكي كأداة لدعم أدوات النقل المستدام: دراسة متطلبات التطبيق في النقل البري، أطروحة دكتوراه في علوم النقل، جامعة محمد بوضياف، المسیلة، 2016

 -عادل شاكري، مفرح محمد طال، المدن الذكیة، مدینة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، مجلة العلوم والتقنية، العدد 111 ،أيار 2014