المراقب الجوي صمام الأمان في حركة النقل الجوي


 

 

 

 

المراقب الجوي: هو عامل ببرج المراقبة، مهمته تنظيم وتسيير الحركة الجوية لضمان حسن سير الطائرات والحفاظ على أمنها، وأمن الموجودين داخلها، حيث يعمل بصمت وهدوء لتنظيم مساحة الفضاء الواسع من حوله، فهو يعتبره مملكته الخاصة التي تخضع للرؤية المتأنية والمدروسة بمهارة عالية من أجل السماح لسرب من الطائرات بالتنقل والحركة، والسير متجاورين أو متعامدين فيما بينهما مسافة قد تبعد بكثير أو تقترب بدرجة متقاربة بقليل دون أن تصطدم ببعضها.

فهو محور عملية النقل الجوي منذ بدء انطلاق الرحلة حتى هبوطها بسلام على أرض الوصول.

وهو شبكة التواصل مع كافة الخدمات المسخرة لسلامة الرحلة الجوية، والجميع يتطلع إلى تنفيذ توجيهاته وتعليماته دون أن يتدخل أحد في عمله.

إذ يعمل بشكل مستبعد ومنعزل عن الآخرين، من خلال شبكة مترابطة تعمل جميعها من أجل سلامة الرحلة، يتلقى معلومات فيها كل الدقة من كافة الجهات المتعاونة معه (مثل الأرصاد الجوية ووحدة معلومات الطيران، والخدمات الأرضية ) ليتولى متابعتها لضمان سلامة الرحلة الجوية.

وهو الجندي المجهول الذي يعمل من أجل سلامة الجميع دون أن يشعر به أحد، لذلك يعتبر قلب منظومة النقل الجوي لأنه يعمل بانتظام واستمرار، في وقت يستريح به الجميع. فما هي المهام الوظيفية للمراقب الجوي.

إن صناعة النقل الجوي تقوم على عمل المراقب الجوي لذلك يوصف المطار عادة بأنه عبارة عن مراقب جوي، حيث يقوم بمهامه لضمان العمليات الآمنة للطائرات التجارية والخاصة، وتنسيق تحركات الآلاف من الطائرات، والحفاظ عليها في مساحات آمنة وتوجيهها خلال عمليتي الإقلاع والهبوط، وضمان تدفق حركة المرور الجوية مع مراعاة عدم التأخير.

يُعدُّ مراقب الحركة الجوية أهم عنصر في وظيفة شديدة التعقيد، حيث ينطوي عمله على مجموعة معقدة من المهام التي تتطلب مستويات عالية من الخبرة والمعرفة، والتطبيق العملي لمهارات محددة تتعلق بالمجالات المعرفية مثل:

( الإدراك المكاني، ومعالجة المعلومات، والتفكير المنطقي، واتخاذ القرارات، والتواصل والعلاقات الإنسانية).

ويرى مجموعة من الباحثين الأمريكيين أن مهام مراقب الحركة الجوية هي (رصد الحالة الجوية، حل النزاعات على الطائرة، إدارة تسلسل الحركة الأرضية، تسيير رحلات الطيران والتخطيط لها، إدارة موارد القطاع التي تشمل /46/ نشاطاً فرعياً، و/348/ مهمة متميزة، منها السمات المعرفية والحسية اللازمة لمستويات الأداء العالمية في محطات العمل الرادارية والتي تشمل المسح المكاني وكشف الحركة والتعرف على الصورة والأنماط، وتحديد الأولويات والترشيح البصري واللفظي والترميزي، وفك التشفير، والاستدلال الاستقرائي والاستنتاجي. كل ذلك من خلال ذاكرة طويلة الأجل، والتفكير الرياضي الاحتمالي).

فمراقب الحركة الجوية يتعامل مع عدد من التعقيدات والمشكلات التي يتطلب منه حلها من خلال تجهيز معلومات الطيران باستمرار وتغيير أساليب التشغيل على وجه الخصوص والمحادثة والتنسيق مع المساعدين، والترقب وحل المشكلات عند ظهورها والتفاعل معها.

ويتم كل ذلك باستخدام وسائل التطبيق الدقيق والفعّال للقواعد والإجراءات التي تحتاج إلى تعديلات مرنة وفقاً لظروف مختلفة، وأحياناً يكون ذلك تحت ضغط عامل الوقت، كما تنطوي وظيفة المراقب الجوي على قدر كبير من المسؤولية، ليس فقط فيما يتعلق بالأرواح بل لارتفاع التكاليف الاقتصادية لأنشطة الطيران.

تضمنت الملاحق الصادرة عن منظمة الطيران العالمية (ACAO) المهام الرئيسية للمراقب الجوي التي تهدف إلى تحقيق قدر أعلى من سلامة الحركة الجوية.

 

وهذه المهام نلخصها بما يلي:

  • فحص وضبط السيطرة على المعدات الرادارية وأضواء المطار.
  • بدء عملية البحث عن الطائرات المفقودة.
  • مراجعة السجلات والتقارير والحفاظ عليها من أجل الرجوع إليها عندما يحتاج ذلك.
  • مراقبة خدمات الطوارئ والإخطار عن حالات الطوارئ عندما تواجه الطائرات صعوبات.
  • تحليل  متطلبات التشغيل (تقارير الطقس، ومتطلبات الوقود والخرائط) من أجل تحديد المسارات الجوية.
  • التحقق من حركة المرور على ارتفاعات مختلفة استجابة لمتطلبات الطيارين وفقاً لمتغيرات الارتفاعات.
  • إجراء الاستبيان اللازم لكل رحلة بخصوص الأحوال الجوية، والمسارات المقترحة والارتفاعات، ومؤشرات المطبات، وغيرها من المعلومات المتعلقة بسلامة الطيران.
  • الاتصال بالطيارين عن طريق الراديو لتوفير معلومات الأرصاد الجوية والملاحية.
  • تحديد توقيت إجراءات ناقلات الطيران.
  • متابعة حركة المرور البرية المباشرة، بما في ذلك سيارات الأجرة والصيانة والأمتعة التي تستخدم في أرض المطار.
  • متابعة المدارج لاستبيان المتاح منها لهبوط الطائرات، أو توجيهها للحفاظ على حركة المرور عندما لا تكون هناك مدارج كافية.
  • إبلاغ الطيارين بالطائرات القريبة منهم وكذلك بالظروف التي قد تكون خطرة مثل الطقس وسرعة الرياح ومشاكل الرؤية.
  • تنظيم خطوط الطيران، وخطوط إدارة حركة المرور للتحضير للطائرات التي على وشك الدخول في المجال الجوي المحدد.
  • تجهيز متغيرات مسار الرحلة أو الاتجاهات لحالات الهبوط الطارئة في حالات سوء الأحوال الجوية أو حالات الطوارئ.
  • تجميع المعلومات حول الرحلات الجوية من مخطط الطيران والتقارير التجريبية والرادار وغيرها من الملاحظات.
  • الرجوع إلى مراكز التحكم للتعرف على معلومات الحركة الجوية مثل الدورات، والارتفاعات وأوقات الوصول المقترحة.
  • مراقبة نقل الرحلات المغادرة إلى مراكز مراقبة حركة المرور والسيطرة على الرحلات القادمة.
  • استكمال التقارير للنشاطات اليومية والحفاظ على سجلات الرسائل من الطيارين.
  • إصدار تصاريح وإرساليات الهبوط والإقلاع.
  • الحفاظ على الاتصال اللاسلكي والهاتف مع أبراج التحكم المجاورة، ووحدات التحكم الطرقية، ومراكز التحكم في المناطق الأخرى من أجل تنسيق حركة الطائرات.
  • مراقبة الطائرات داخل المجال الجوي المحدد باستخدام الرادار وأجهزة الحاسوب والمراجع البصرية.
  • رصد وتوجيه حركة الطائرات داخل الفضاء الجوي المحدد وعلى الأرض في المطارات للحد من التأخير.

من هنا يتضح لنا من خلال متابعة المهام الملقاة على عاتق المراقب الجوي، أن له عين على السماء وعين على الأرض، ولا يجوز له النظر بعين واحدة دون الأخرى، فعلى الرغم من أن الطائرة تحت سيطرة قائدها، ومعني بسلامتها وسلامة ركابها، إلا أنه يبقى معصوب العينين يقود في سماء مجهول بناء على رؤية وتوجيه المراقب الجوي، كما أن خطأ قائد الطائرة يحتمل تداركه سواء من قبله أو من قبل مساعده، أما خطأ المراقب الجوي لا يغتفر.

من هنا تبدو لنا أهمية وجود المراقب الجوي المتقن لعمله والناجح وذلك من خلال توفير كافة المستلزمات والمتطلبات التي تساعده في عمله الذي لا يمكن لقطاع الطيران أن يعمل بدونه.

 

متطلبات وظيفة المراقب الجوي:

بقدر تعدد مهام المراقب الجوي، تتعدد متطلباته، فمتطلبات المراقب الجوي على قدر كبير من الأهمية، ولا بد من توافرها في محيط عمله لضمان قيامه بالمهام الملقاة على عاتقه بكفاءة واقتدار.

هذه المتطلبات متعددة منها متطلبات شخصية تتعلق بطبيعة عمل المراقب، كالمتطلبات التدريبية والتأهيلية والمادية والنفسية، ومنها ما يتعلق بالبيئة التي يعمل فيها المراقب الجوي، كالمتطلبات التنظيمية والتكنولوجية.

أولاً - المتطلبات التدريبية:

إن أهمية التدريب للعنصر البشري في المراقبة الجوية تدريباً مستمراً مهمة جداً نظراً لطبيعة المهام الملقاة على عاتقه، ويتم تصنيفها على أنها من أهم الوظائف المدنية، وأخطرها من منطلق المسؤولية الملقاة على عاتقه، حيث تتعدى مسؤوليته في ساعة زمنية واحدة مليارات الدولارات، ممثلة بقيمة الطائرات وآلاف الركاب وأطنان البضائع، لذلك فإن العديد من دول العالم تطالب بأن يتم استثناء المراقبة الجوية من الكود الحكومي الخاص بتأثيث الأبنية والاهتمام بساعات العمل للمراقبة الجوية.

من هنا طالبت منظمة الطيران المدنية الدولية بضرورة مراعاة عمل المراقب الجوي وتوفير ظروف عمل أفضل للمراقبين من أجل إيجاد بيئة ملائمة للعمل دون ضغوط ومشكلات لضمان انتظام الحركة الجوية، وتأمين سلامة الطيران، وذلك لأن المراقب الجوي يعمل في ظروف مختلفة سواء في حالات الطوارئ بالنسبة للطائرات أو الظروف الجوية السيئة، فالاهتمام بتدريبه ورفع مستواه الفني والمهاري يمثل أهمية كبيرة للتأكد من مستوى أدائه ومواكبته للكفاءة العالمية المطلوبة لأداء وظيفته.

وكل ما يتعلق بتدريب وتأهيل المراقب الجوي يخضع لمعايير دولية، وهناك العديد من البرامج والمعايير التي تساعد الدول والمنظمات في الاختيار الأمثل للملتحقين بمهنة المراقبة الجوية، من أهمها السمات الشخصية (أن يكون على درجة عالية من الذكاء والثقة بالنفس وسرعة التفكير وهدوء الأعصاب)، وأن يتمتع بإمكانية اتخاذ القرارات الحاسمة تحت ضغوط العمل الشديدة، وأن يكون دقيقاً وقوي الملاحظة، وماهراً بالتعامل مع الأرقام، والعمل بروح الفريق الواحد، والقدرة على القيام بمهام متعددة في وقت واحد.

 

ثانياً- المتطلبات المادية:

إن أثر التقدير المادي للمراقب الجوي يجعله في حالة اطمئنان حاله وحال من يعولهم من أسرته، ومدى احتياجاته المشروعة له ولأسرته بشكل لائق، مما يجعله صافي الذهن مطمئناً، متفرغاً لأداء عمله دون مضايقات أو تفكير.

معظم دول العالم تعمل على تحسين وضع المراقب الجوي المادي بالمقارنة مع العاملين في المجالات الأخرى نظراً لحساسية الدور الذي يقوم به وأهميته في تأمين سلامة حركة الطيران.

ثالثاً- المتطلبات النفسية:

تتطلب وظيفة المراقب الجوي عوامل نفسية مريحة، حيث يتعرض لدرجة كبيرة من السيطرة الخارجية غالباً تسبب الاجهاد له، مما يتطلب وضع استراتيجية فعّالة تهدف إلى الحد من التوتر ومعالجة أسباب الاجهاد والعمل على جميع العوامل المتعلقة بتنظيم العمل، فضلاً عن تحسين الموارد الشخصية والظروف الاجتماعية للمراقب الجوي.

من هنا تأتي أهمية إعداد وتأهيل المراقب الجوي علمياً ونفسياً وفنياً ليكون على أفضل المستويات المطلوبة دولياً ومحلياً، وكما ذكرنا سابقاً تتطلب هذه المهنة مهارات خاصة من أجل القيام بالعمل بالشكل المطلوب.

 

تأهيل المراقب الجوي:

هناك نوعان من متطلبات تأهيل المراقب الجوي هما:

1- تأهيل أكاديمي، يخضع بمقتضاه المتأهل لدورة مكثفة في اللغة الانكليزية حتى يتمكن من اجتياز المستوى الرابع حسب الكفاءة في اللغة الانكليزية التي تنص عليها منظمة (إيكاو)، كما يجب أن يتلقى عدداً من الدروس المتخصصة في الفيزياء والرياضيات، والملاحة الجوية والأرصاد لمعرفة مدى تأثير الملاحة الجوية على عمليات الطيران، ومن ثم يبدأ بالدراسة والتدريب العملي على تخصص المراقبة الجوية.

2- تأهيل على رأس العمل:

يحصل هذا بعد حصول المتأهل على إجازة ممارسة العمل في المطار، ويبدأ المراقب في هذه المرحلة بالتدريب العملي على المنطقة أو المطار الذي يعمل به من قبل مدربين مؤهلين لمثل هذا النوع من التدريب، حتى يتمكن المتدرب من اتقان أداء العمل في الموقع المحدد، وعملية التدريب لا تتوقف، بل هي مستمرة لإطلاع المراقب الجوي على المستجدات في قوانين وإجراءات وأنظمة المراقبة الجوية والتدريب على الحالات الطارئة التي يندر حدوثها حتى يتصدى لها بكل مهارة واقتدار.

 

المراقب الجوي صمام الأمان في سلامة الحركة الجوية:

مھنة المراقب الجوي من المھن الحساسة والنادرة فھو مسؤول عن تأمین وسلامة أرواح مئات الآلاف من الركاب الذین یجوبون سماوات العالم بالطائرات یومياً حیث یلعب دوراً رئیسیاً في تنظیم حركة الطائرات وتحدید ارتفاعھا في الأجواء لمنع اصطدامھا. ودوره یشبه دور شرطي المرور على الأرض ... فمهنته بحق من المھن التي لا تحتمل الخطأ، ولقد سبقت الإشارة إلى أن مھمة ضمان العملیات الآمنة للطائرات التجاریة والخاصة تقع على عاتق مراقبي الحركة الجویة، وكذلك تنسیق تحركات الآلاف من الطائرات، والحفاظ علیھا في مسافات آمنة بين بعضھا البعض، وتوجیھھا خلال الإقلاع والھبوط من المطارات، وتوجیھھا فیما یخص الأحوال الجویة، وضمان تدفق حركة المرور بانسیاب مع مراعاة عدم التأخیر، فالھدف الرئیس من مراقبة الحركة الجویة ھو تعزیز الحركة الآمنة والمنظمة والسریعة للطائرات داخل منطقة المراقبة في المجال الجوي، ویتحمل مراقبو الحركة الجویة في إطار ذلك مسؤولیة ضمان الحركة الآمنة والمنظمة والسریعة للحركة الجویة.

لذا یؤكد البعض، أن عمل المراقب الجوي یعد من المھن الدولیة الخطیرة التي لا یسمح فیھا بوقوع أخطاء، وهي تعتمد في أدائها على ضرورة التمتع بقدرات عالية لتحمل المسؤولیة، وحیث یعتبر المراقب الجوي مسؤولاًعن إدارة عمل تزید قیمته على ١٥٠٠ ملیون دولار في الساعة متمثلة في ثمن الطائرات والتأمین علیھا وعلى ركابھا وبضائعھا باعتبار أن متوسط ما یتعامل معه المراقب الجوي ھو /18/ طائرة في الساعة الواحدة ھذا إلى جانب مسؤولیته عن حمایة أرواح حوالي /6/ آلاف راكب في الساعة. لذا نجد تحولاً كبیراً في استراتیجیةسلامة الحركة الجویة، حیث أضحت تقوم بشكل شبه كلي على المراقب الجوي، بعد أن كان لقائد الطائرة في بدایة عھد الطیران التجاري دور أساسي ومحوري في سلامة الطائرة والمحافظة علیھا وعلى الركاب، ولا یعني ذلك خروج قائد الطائرة من منظومة سلامة الحركة الجویة، فھو مازال المسؤول الرئیس عن سلامة الطائرة في الجو، ولكن تطور حركة النقل الجوي وما تشھده من كثافة عالیة، ودخول الأنظمة التكنولوجیة الحدیثة في تسییر الحركة الجویة، فرضت دوراً جوھریاً للمراقب الجوي في سلامة الحركة الجویة.

وھذا ما عبر عنه البعض، بأن الرحلة الجویة كانت إلى عھد قریب تعتمد من الناحیة الفنیة أساساً على رجال الطاقم الجوي وعلى رأسھم قائد الطائرة الذي كان علیه كل المسؤولیة من الناحیة الفنیة، سواء تعلق الأمر بالإقلاع أوالھبوط ، أو تقدیر مدى صلاحیة الظروف الجویة للرحلة، على أن التقدم التكنولوجی في هذا الخصوص أصبح الطیران یعتمد على جانب كبیر منه على أشخاص یوجھون الطائرة على سطح الأرض (المراقب الجوي). وفي إطار ذلك ، أكد جمیع الدارسین والباحثین والعاملین في حقل النقل الجوي على دور المراقب الجوي باعتباره صمام الأمان في سلامة الحركة الجویة.

 

متطلبات السلامة في إدارة الحركة الجوية:

تؤدي صناعة النقل الجوي دوراً رئیسیاً في النشاط الاقتصادي العالمي وتظل واحداً من أسرع قطاعات الاقتصاد العالمي نمواً، ومن العناصر الرئیسة في الحفاظ على حیویة الطیران المدني ضمان توافر الظروف التي تتسم بالسلامة والأمن والكفاءة والقابلة للاستدامة بیئیاً على المستوى العالمي والإقلیمي والوطني. والسلامة ھي "توقع بشأن الأداء" ولما كان السفر جواً ھو أكثر طرق النقل سلامةً، فإن التحدي الذي تواجھه صناعة الطیران والھیئات المنتظمة ھو زیادة سلامة نظام یتسم فعلاً بالسلامة، وفي إطار الخطة العالمیة للسلامة الجوية، توقعت الجھات المعنیة بالطیران حدوث تخفیض في مخاطر الحوادث العالمیة في مجال الطیران التجاري، ویثیر ذلك موضوع إیجاد الطریقة الأفضل لقیاس تلك المخاطر، وكذلك أي تغییرات متصلة تطرأ نتیجة التنفیذ الفعّال للخطة العالمیة للملاحة الجویة وخریطة الطریق. ولما كان المراقب الجوي العنصر الأساسي في تسییر الحركة الجویة، وصمام الأمان في سلامة هذه الحركة، كان لابد من توفیر أحدث النظم التكنولوجیة تحت ید المراقب الجوي، لمواكبة التطور التكنولوجي الذي یكفل دعم المراقب في تحقیق مستویات مرتفعة من السلامة، فقد زادت كثافة حركة الطیران في السنوات الأخیرة نظراً لنشاط الحركة التجاریة والسیاحیة في العالم فزاد الضغط على المراقب الجوي مما تطلب تطویر أجهزة المراقبة الجویة والاتصالات والرادارات حتى تسھل مراقبة وتسییر الحركة الجویة عبر الرادارات الحدیثة والاتصالات عبر الأقمار الصناعیة وربط المعلومات عبر وصلات بیانات رقمیة، حیث تم تطویر الطائرات وظھرت أجیال جدیدة من الطائرات الحدیثة المجھزة بالأجھزة التي تعمل معLINK-D بالكمبیوتر، حتى تتوافق المنظومات الأرضیة الحدیثة مع الأنظمة المتطورة في كل أنحاء العالم ، فالمراقب الجوي قدیماً كان یعاني كثیراً لأن عمله كان بالتخیل والتخمین والتعامل مع خطط الطیران الورقیة وسجل ملفات الطائرات والتركیز على السمع لأنه لم یكن لدیه رادار یعمل ومعدات إلكترونیة حدیثة تساعده في مھمته كما یمكن تلبیة متطلبات السلامة، من خلال ضرورة مراعاة كثافة الطائرات التي یجب أن تقوم وحدات المراقبة الجویة بخدمتھا، حتى یمكن أن یتم التعامل معها بأمان وسلامة، ویمكن معالجة ذلك من خلال وضع حد أقصى لعدد الرحلات الجویة التي تخضع لمراقبة الحركة الجویة حتى یمكن ضمان أعلى درجة من مستویات السلامة، كما یمكن تحقیق ذلك من خلال قیام خدمات الحركة الجویة (ATS) بتحدید المناطق التي یمكن السیطرة علیھا من قبل مراقبة الحركة الجویة (ATC) داخل النطاق الجوي ومحیط المطار، ویمكن وضع مخطط لحركة كثافة الطیران بما یضمن تدفق حركة المرور سواء كان معدل المخطط على مدار الساعة أوالیوم أوالشھر أوالسنة، كما تعتبر سلامة الطیران مصدر اھتمام العالم بأسره، حیث أصبح النقل الجوي إلى حد بعید ھو أسلم وسیلة للسفر، وفقًا لمعدل الحوادث بین الركاب، ونظراً لخطورة الحوادث التي تقع في عالم الطیران والتي تشكل أحداثاً مأساویة تھز العالم، فإن سلامة الطیران كانت وستظل مسألة ذات أھمیة حیویة للحكومات والصناعة والمجتمع الأكادیمي وجمھور المسافرین، وھي أیضاً سبب وجود منظمة الطیران المدني (ICAO )، وھي منظمة عالمیة حكومیة أصبحت وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة في عام 1947، كما أشار البعض، إلى دور منظمة اتحاد الطیران الأمریكیة (A.A.A ) في تحقیق متطلبات السلامة، حیث تقوم بوضع برنامج تكنولوجي یعمل على تمكین نظام المجال الوطني من التعامل مع كثافة أعلى من حركة المرور مع زیادة الكفاءة والسلامة.

 

مسؤولية المراقب الجوي عن سلامة الحركة الجوية:

یشكل تقریر مسؤولیة المراقب الجوي عن سلامة الحركة الجویة ضمانة ھامة لتعزیز مستویات السلامة المطلوبة في حقل النقل الجوي، بحسبان أن عوامل السلامة والأمان المتوقعة من مستخدمي النقل الجوي أصبحت تلعب دوراً رئیسياً في اختیار الجو كأنسب وسیلة في النقل وأكثرھا أمناً، ولا یتأتى ذلك إلا من خلال تقریر مسؤولیة الملتزم الرئیس بمتطلبات السلامة وھو المراقب الجوي، فلا التزام بدون مسؤولیة. ولقد باتت مسؤولیة وكالات وعمال مراقبة الحركة الجویة الیوم من المسؤولیات التي تشغل حیزاً كبیراً في مجال الطیران المدني، نظراً لما لأعمال مراقبة الحركة الجویة من أھمیة بالغة الخطورة على أمان وسلامة وكفاءة وانتظام الطیران المدني، وتبدو أھمیة ھذا الأمر من الناحیة النظریة، في الجدل الفقھي الذي ساد ردحاً من الزمن مستمراً حتى الیوم في ظل غیاب التنظیم التشریعي الدولي والداخلي، حول مسؤولیة مراقبي الحركة الجویة، وإسناد الأمر للقواعد العامة، وبعض الخطوط العریضة الواردة بالملحق الحادي عشر لاتفاقیة شیكاغو، رغم الطبیعة الخاصة لعمل المراقب الجوي ولھذه المسؤولیة، لذا لا تزال مسؤولیة المراقب الجوي مسألة شائكة رغم المحاولات المتعددة التي قامت بھا بعض الدول والمنظمات الإقلیمیة .

ولقد مرت مسؤولیة المراقب الجوي بالكثیر من العوائق التي أضفت جواً من الغموض والتعقید على مسؤولیته عن الأخطاء التي یرتكبھا، سواءً أكانت عوائق تنظیمیة كما أشرنا متعلقة بعدم وجود اتفاقیة موحدة تحكم المسؤولیة القانونیة للمراقب الجوي، أو عوائق أخرى فرضتھا عوامل التحدیث والتقنیات المتطورة في حقل الطیران المدني، بخلاف المشاكل القانونیة المتعلقة بسیادة الدول.

ولقد كان لظھور الطائرة الجامبو دور في زیادة المخاطر، مع زیادة المشكلات الناجمة عن الازدحام المروري، ومن ثم إثارة المسؤولیة القانونیة للمراقبین الجویین، حیث أدى دخول طائرة الجامبو في عالم الطیران إلى وجود ظاھرة غیر مرئیة تظھر أعقاب الاضطرابات، وھي تسبب اضطرابات بالغلاف الجوي، تندلع من أطراف جناح الطائرة على شكل مخروط ھوائي والذي یمكن أن یؤثر بدوره على قوة الرفع الدینامیكي للطائرات التي خلفھا، وفي السابق كانت ھذه الظاھرة تسببھا الطائرات خفیفة الوزن، ومن ثم فإن عدد الحوادث بسبب ھذه الظاھرة في تزاید، فھناك تناسب طردي بین قوة الرفع والدوامات الھوائیة والتي تشتد كلما زاد وزن الطائرة، وتشیر الاختبارات إلى أن الطائرة الجامبو تحدث دوامات ھوائیة ذات سرعات فائقة ٢٠٠ قدم/ ثانیة، تستطیع أن تصل إلى الطائرة التي تبعد عنھا لمسافة میل، وبالتالي تزید احتمالیة وقوع التصادم بین الطائرات أحد أخص مھام المراقب الجوي وھي منع التصادم بین الطائرات.

كما تواجه مسؤولیة المراقب الجوي إشكالیات متعلقة بالاختصاص القضائي الناجم عن تنازع القوانین بین الدول، بجانب الإشكالیات المتعلقة بسیادة الدولة، ففي حالة وقوع حادث من قبل مراقبي الحركة الجویة (ATCO )التابعین للدولة التي وقع فیھا الحادث، في ھذه الحالة سیتم تطبیق قانون ھذه الدولة، وقد تحدث مشاكل في حالة وقوع حادث في إقلیم تقدم فیه خدمات الملاحة الجویة من قبل دولة أجنبیة، أو من قبل خدمات ملاحة جویة تابعة لدولة أخرى، ولكن تقدم خدماتھا داخل البلد الذي وقع فیه الحادث، والسؤال المطروح ما ھو القانون الذي یطبق على ھذه الحالة، قانون البلد محل الحادثة أم قانون المدعى علیه؟.

 

 

  • المراجع:
  1. منظمة الطيران العالمية.
  2. مجلة البحوث القانونية والاقتصادية العدد /1363/ للدكتور علاء النجار حسانين أحمد- وهو دكتور في القانون التجاري.
  3. مقال بعنوان "المراقبة الجوية مهنة لا تحتمل الخطأ" جريدة الأهرام المصرية العدد /41803/ عام 2001م.

 

إعداد: مالك الخضري

إجازة في الإعلام/ جامعة دمشق.