بعد أكثر من قرن على اختراعها ورواجها عالمياً، ما تزال الإطارات المستعملة تمثّل مشكلة بيئية عالمية، تتضخم بتضخم أعداد السيارات، حتى تحولت في معظم البلدان إلى كابوس حقيقي.
ما هي التحديات التي يواجهها العالم في تعامله مع هذه المشكلة، والوسائل المتاحة للتخلص منها، مثل: /الطمر، الحرق، وإعادة التدوير.../.
لم يكن يجول في خاطر جورج دانلوب أن اختراعه الذي قدمه إلى العالم عام 1888م سيتحول إلى إحدى المشكلات التي يجب على الأجيال اللاحقة مواجهتها والتعامل معها، فقد أوجد هذا الطبيب البيطري الإنجليزي بديلاً للإطارات الحديدية والخشبية، فحلّت الإطارات المطاطية المنفوخة محلها في العربات التي تجرها الخيول، ثم السيارات لاحقاً، فالآليات والمعدات والدراجات والعربات اليدوية وصولاً إلى الطائرات، وعلى الرغم من مساعي تطوير صناعة الإطارات ونجاحها الجزئي هنا أو هناك، فإن اختراع دانلوب بأساسياته الفيزيائية والكيميائية، سيبقى إلى أمد غير معروف، وهذا ما يعني تصنيع المزيد من الإطارات واستخدامها، ثم الاستغناء عنها، أي إضافة أعباء جديدة على بيئة الأرض.
أولاً: حجم المشكلة
ينتهي عمر الإطار الافتراضي فيتم استبداله بآخر جديد، ولكن إلى أين يذهب الإطار التالف؟ لا يعد جمع الإطارات المستعملة من على جنبات الطرق، وورش صيانة السيارات حلاً، بل مدخلاً إلى الفصل الأخير من المشكلة، والمشكلة ليست صغيرة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يتم دفن /280/ مليون إطار سنوياً في الأرض، كما أن هناك جبلاً مصنوعاً من ثلاثمائة مليون إطار لم يتم التخلص منها بعد، وفي ولاية نيويورك وحدها يرمي الناس /12/ مليون إطار سنوياً تحوي من الطاقة ما يوازي ثلاثة ملايين برميل من النفط، وفي بريطانيا هناك حوالي /50/ مليون إطار من أحجام مختلفة يجب التخلص منها سنوياً بشتى السبل، وفي المملكة العربية السعودية يقدر حجم السوق بـ /23/ مليون إطار، وقد لا تتوفر إحصاءات دقيقة عن بعض الدول، غير أن تصور أعداد السيارات في كل بلد، ومعرفة أساليب معالجة الإطارات المستخدمة قد يساعد في تكوين فكرة عن حجم المشكلة عالمياً.
لمعظم أشكال معالجة الإطارات المستعملة تداعيات بيئية، واقتصادية، وصحية، وحتى قانونية، فقد أقر الاتحاد الأوروبي مثلاً قانوناً يمنع دفن الإطارات في الأرض، علماً بأن حجم الكابوس الأوروبي في هذا المجال يبلغ /2.400.000/ طن من الإطارات سنوياً، كما أن المحاكم الأوروبية باتت أكثر تشدداً في أحكامها على الأشخاص الذين يجمعون الإطارات ويرمونها كيفما اتفق في الأراضي المحيطة بالمدن الكبرى.
ثانياً: أساس المشكلة في صناعته
قبل الحديث عن الإتلاف والتدوير، لا بد من لمحة سريعة عن صناعة الإطار نفسه، وما يدخل فيها، وكيف يُصنَّع؛ فالإطار ليس مطاطاً صرفاً كما قد يُعتقد، وإنما تدخل في صناعته /20/ مادة كيميائية على الأقل، وتشمل هذه المواد، المطاط الطبيعي والصناعي، والبوليستر، والنايلون، والكبريت، وسواد الكربون، والزيوت، والأصماغ، إضافة إلى الألياف والأسلاك المعدنية، والهدف من هذا الخليط هو جمع القوة والمتانة إلى المرونة اللازمة للثبات على الطرق مهما كانت العوامل الطبيعية، وفي المراحل الأخيرة من صناعة الإطار تُضاف مادة الكبريت إلى الخليط السائل، فيتجمد ويصبح قاسياً خلال عشرين دقيقة، والتفاعل الكيميائي الناتج عن إضافة الكبريت هو ما يعقّد إعادة تفكيك الإطار إلى مكوناته الأصلية. فماهي الطرق الناجعة للتخلص منها؟ أول الحلول: حرقها، للتخلص من الإطارات هو في إحراقها للاستفادة من طاقتها الحرارية، فقد أظهرت الاختبارات أن حرق كيلوغرام واحد من مادة الإطارات ينتج عنه حوالي /31,000/ وحدة حرارية، لذلك أصبحت الإطارات واحداً من أنواع الوقود الرئيسة التي تستعمل داخل أفران معامل الإسمنت، وتشكل على وجه التحديد نسبة 30% من وقود هذه الأفران، جنباً إلى جنب مع الفحم وأنواع الوقود الأخرى، ويتميز وقود الإطارات بأن نسبة الرطوبة فيه متدنية، وناتجه الحراري غير متقلب ويمكن حسابه بدقة، على أن التجربة أثبتت أنه لا يجب تجاوز نسبة الـ 30% المذكورة؛ إذ إن ذلك يؤثر على تركيبة الإسمنت نفسه خلال عملية التجفيف، أمّا استعمال الإطارات في أفران الإسمنت فيمكن أن يأتي على صورتين: إمّا حرق الإطارات كاملة كما هي أو حرقها بعد معالجتها، والفرق بين الاثنين أن الناتج الحراري في الحالة الثانية أعلى، على أن حرق الإطارات كاملة له إيجابيات عدة من وجهة نظر أصحاب المعامل، أولها وأغربها، أن أصحاب المعامل يتقاضون من موردي الإطارات رسوماً ليقوموا بإحراق إطاراتهم بدلاً من أن يدفعوا ثمن الإطارات كوقود، كأن تملأ سيارتك بالبنزين ثم تقبض من صاحب المحطة بدلاً من أن تدفع له، والإيجابية الثانية هي أن التحقق من وزن الإطارات عملية بسيطة جداً ولا تحتاج إلى تقنية عالية. الإيجابية الثالثة أن توريد الإطارات للمعامل هو أيضاً عملية بسيطة ومباشرة؛ إذ يكفي تحميل الإطارات على شاحنة ونقلها إلى المعامل دون التدابير التي قد تتطلبها أنواع الوقود الأخرى، أمّا من الناحية البيئية؛ فإن احتراق الإطارات في درجة حرارة عالية (1400 درجة مئوية تقريباً) يعتبر وسيلة إتلاف فعالة، وذات تأثيرات بيئية محدودة، وقد أثبتت الاختبارات أنه ليس للانبعاثات الناتجة عن إحراق الإطارات تأثيرات أكثر سلبية من تلك الناتجة عن احتراق الفحم، بل إن هناك بعض التحسّن بالنسبة إلى كمية الجزيئيات وبعض الغازات الملوثة للهواء، وهناك أيضاً إيجابية اقتصادية مهمة لا يمكن إغفالها؛ فالرماد الناتج عن احتراق الإطارات يعاد استعماله في تصنيع الإسمنت نفسه؛ نظراً لاحتوائه على مادة الحديد الناشئة عن احتراق الأسلاك الداخلية في تركيب الإطار، وكانت هذه المادة تضاف بشكل منفصل إلى الإسمنت في أثناء عملية التصنيع. أمّا الطريقة الأخرى لإتلاف الإطارات فهي الحرق المباشر، أي في مساحات مكشوفة في الهواء الطلق، وقد دلّت الأبحاث المستفيضة التي أجريت أن المطاط يحتوي على مواد مسببة للسرطان، وأخرى لإحداث تغييرات في التركيبات الجينية؛ لذلك فإن المواد الكيماوية المنبعثة جراء الاحتراق ستكون ذات عواقب بيئية وصحية سيئة، وينطبق هذا أيضاً على عملية الاحتراق غير الكامل وغير المباشر، فقد أثبتت التجارب التي أجريت أن المواد الكيماوية الناتجة عن الاحتراق البطيء للنفايات المطاطية تزيد نسبتها من ثلاثة إلى أربعة أضعاف عن تلك الناشئة عن احتراق المواد الأخرى مثل، النفط والفحم، والخشب، لكن نسبة هذه المواد تكون أقل عندما يكون الاحتراق داخل حيّز مغلق، كالمراجل ومحارق القمامة، وعدا تلويث الهواء فإن إحراق الإطارات المباشر يتسبب أيضاً بتلويث التربة؛ فالمطاط السائل الناتج عن عملية الاحتراق وما يحتويه من زيوت يتسرب في عمق التربة مسبباً تلوثها وتدهور نوعيتها، فإذا أضفنا عنصر الماء إلى الإطارات المشتعلة فإن هذا التسرب يصبح أسرع وأعمق، وقد يؤثر على الماء في باطن الأرض. هذه الحلول بما في ذلك دفن الإطارات في الأرض، تحمل في طياتها تأثيرات سلبية على البيئة ولو بدرجات متفاوتة، كذلك فإن الحلول الحقيقية هي تلك التي تكفل التخلص من الإطارات من دون تلوث بيئي ومضاعفات سلبية أخرى، وذلك بالابتعاد عن المعالجات القائمة على التفاعلات الكيميائية وما ينبعث منها من إفرازات، والحلّين الأكثر اعتماداً الآن إلى جانب الحلول الآنفة الذكر، هما إعادة التأهيل والتفتيت.
أولاً: إعادة التأهيل: تتم إعادة تأهيل الإطارات بإعادة بناء الطبقة الخارجية للإطار، فيعود صالحاً للاستعمال لفترة جديدة، وهذا الحل يؤجل مشكلة الإتلاف ولا يحلها، أي أنه يخفّض عدد الإطارات الواجب إتلافها، وبالإضافة إلى الفوائد البيئية لهذا الحل، فإن له فوائد اقتصادية بالنسبة للمستهلك أيضاً نظراً لأن سعر الإطار المستصلح أقل من سعر الإطار الجديد، وهذه الوسيلة معروفة وتسمى «التلبيس»، ولكن فضلاً عن أن عدد المصانع المتخصصة في هذا المجال قليل نسبياً، فإن نطاق أعمالها أيضاً ضئيل، ويكاد يقتصر على إطارات الشاحنات والآليات الكبيرة، في حين أن الشكوى الحقيقية تأتي أكثر من إطارات السيارات الصغيرة التي يبلغ متوسط عمرها الافتراضي عامين في أحسن الأحوال.
ثانياً: التفتيت وإعادة التدوير: إن تفتيت الإطارات هو حالياً الأوسع انتشاراً، ويقوم على تفتيت الإطارات أو فروعها إذا صح التعبير إلى أجزاء مختلفة، ويعد هذا الحل نظيفاً تماماً من الناحية البيئية؛ لأنه لا ينطوي على معالجات كيميائية، وما ينتج عنها من آثار سلبية، ولهذه الفتات أو الحبيبات المطاطية استعمالات واسعة ومتعددة، كما أن هذه الاستعمالات تزداد بمرور الزمن وتطور التقنيات، فهي تستعمل اليوم لملء الفراغات أو الفجوات في المركبات المطاطية، وفي إنتاج المادة الإسفلتية وحتى في صناعة الإطارات الجديدة، وقد أثبتت الدراسات مثلاً أن الطرق المسفلتة بالإسفلت المضاف إليه الفتات المطاطي تبقى صالحة للاستعمال لمدة خمس سنوات، أطول من تلك المسفلتة بالطريقة العادية، وقد بلغ من نجاح هذه المادة أن استهلاك السوق الأمريكية وحدها منها بلغ في الخمس سنوات الأخيرة حوالي /1.5/ مليون طن، كما أن الصناعات قد زادت من استثماراتها الهادفة إلى تطوير التقنيات المتعلقة بإنتاجها وتطويعها لاستعمالات جديدة. والواقع أن الجهود الرامية إلى إيجاد سبل لإعادة تدوير الإطارات المستعملة أثمرت بنسب متفاوتة في أماكن مختلفة من العالم، سعياً وراء هدفين، الاستفادة من المادة نفسها، وتلافي الآثار البيئية الناجمة عن الحرق أو الطمر، الذي لا يزال الأكثر شيوعاً في معظم الدول العربية، وهناك دول عدة وجدت في إعادة التدوير مورداً اقتصادياً إضافياً، مثل ماليزيا التي صممت برنامجاً صناعياً يستورد هذه المخلفات من الدول الأخرى ويعيد تصنيعها، والحال مشابه في جنوب إفريقيا التي وجدت في الصناعة الجديدة حلولاً اقتصادية حقيقية خاصة في مواجهة البطالة، ويمكن أن ينتج عن عمليات إعادة التدوير مواد جديدة مثل، الوسائد المطاطية، وتلبيس الأنابيب، والقرميد المطاطي، فضلاً عن استخدامها في رصف الطرق والمسطحات الرياضية، وصناعة صناديق القمامة، وفي بعض دول جنوب آسيا ونيوزيلندا تستخدم الإطارات كمصدات للأمواج، وهناك تجربة أمريكية خرج بها باحثون من ولاية أوهايو لإعادة استخدام ملايين الإطارات، حيث يمكن تحويل هذه الإطارات إلى كرات في مثل حبات العنب واستخدامها في مشروعات إنشاء الصرف المائية، وتحقق هذه الصناعة الاستفادة من 80% من الإطارات التالفة. وفي السنوات الأخيرة ظهرت طريقة التدوير بالمعالجة الحرارية recycling process of pyrolysis وهي تستخدم الحرارة بدون أكسجين، وتقوم أسس هذه الصناعة على تكسير الإطار بدلاً عن حرقه، لإنتاج غاز وزيت تاركاً وراءه فضالة من الكربون والحديد، وكلاهما يمكن إعادة تدويره بالطرق المعروفة، أمّا الزيت الناتج من هذه العملية فيحتوي على مركبات كيماوية، كالبنزين والتوليون والزيلين والليمونين، وجميعها تستخدم في الصناعات الكيماوية، وبصفة خاصة في صناعة المطاط والمبيدات الحشرية والصيدلانيات والمتفجرات، ولعل المأخذ الوحيد على هذه الطريقة، هو أنها باهظة التكلفة.
ويدرس علماء اسكتلنديون نوعاً من البكتريا، يقولون إنها تستطيع مع الزمن أكل تلك الإطارات، وهذه البكتيريا توجد بصورة طبيعية في مناجم الفحم، ومواقع إنتاج النفط، ويمكنها إلغاء فلكنة الإطارات devocalize tyres بالتهام الكبريت الموجود فيها، وقد استطاع العلماء الاسكتلنديون في جامعة نابيير Napier عزل هذه البكتيريا من الفحم.
ختاماً يمكن القول إن الطبيب البيطري ليس مسؤولاً عن اختراعه بيئياً، بل إن العالم مدين له باختراع صديق على الطريق، وهذا العالم هو المسؤول عن تحقيق الصداقة بين الإطارات وبين البيئة، وهذه الصداقة لن تتم بمصافحات الصناعيين في المؤتمرات الدولية، أو الاجتماعات التجارية، ولن تتم بتوصيات البيئيين وصراخ قلقهم في الأبحاث والدراسات، بل إن المصافحة يجب أن تتم بين أبناء البشر جميعاً، حكومات ومؤسسات ومصانع وسائقين أيضاً.
المصادر:
- مجلة القافلة، مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين عن شركة أرامكو السعودية.
- الشابكة الإلكترونية
إعداد: محمود عمر السعيد
إجازة في الإعلام/ جامعة دمشق