المناطيد .. تاريخها - أنواعها - صناعتها


 

 

 

 المنطاد هو كيس يُملأ بهواء ساخن أو بغاز خفيف، لتمكينه من الارتفاع في الهواء. ويعدُّ من الآلات الطائرة الأخف من الهواء. يرتفع المنطاد في الجو لأن الهواء الساخن، أو الغاز الموجود بداخله، أخف وزناً وأقل كثافة من الهواء الخارجي المحيط به، ويُشبِه ارتفاع المنطاد في الجو تماماً، طَفْوَ قطعة من الفلين فوق سطح الماء.

ويعتبر المنطاد مركبة هوائية غير مُزوَّدة بأية قوة آلية، وهو أخف من الهواء. وعلى خلاف الآلات الأثقـل مـن الهـواء مثـل الطائـرات والطائرات الشراعيـة التي تبقى مُحلِّقـة في الهـواء بوساطة الحركة خلال طبقاته لتُحدِث رفعاً ديناميكياً، فإن المنطاد يستمد القدرة على رفعه إلى أعلى عن طريق "الإزاحة"، وهي قوة "إستاتيكية" (ساكنة) لا يتطلب حدوثها أية حركة خلال الهواء.

تُصنع المناطيد بأحجام وأشكال وتصاميم متعددة، كما أن لها العديد من الاستخدامات. فالأطفال يلهون ببالونات الألعاب، أما العلماء فيستخدمون المناطيد لحمل معدات جمع البيانات الخاصة بالأرصاد الجوية وبالأبحاث الأخرى. كذلك تُستخدم المناطيد المُزوَّدة بأجهزة إرسال لاسلكي لبث الإذاعة المسموعة أو المرئية باتجاه المناطق النائية أو المعزولة. وتُزود أغلب المناطيد بسلة مُثبَّتة أسفل الكيس، لحمل قائد المنطاد وبقية الركاب. ويرتاد مثل هذه المناطيد أناس يستمتعون بالإثارة التي تصاحب رياضة ركوبها. وتُستخدم المناطيد الحاملة للأفراد أيضاً في إجراء البحوث العلمية. والمناطيد إما مُقيَّدة، أو حرة الطيران. فالمنطاد المُقيَّد يُربط بحبال وخطاطيف إلى الأرض، ويُستخدم لأغراض الدعاية التجارية. أما المنطاد الحر فيتجه تبعاً لاتجاه هبوب الريح، ويُستخدم للرياضة والترفيه والنزهة.

 ويستطيع قائد المنطاد الحر الحامل للأفراد التحكم بحركته الرأسية صعوداً ونزولاً، بينما لا يمكنه التحكم بتوجيهه، ولكنه يستطيع التحكم إلى حَدٍّ ما بوجهة المنطاد عن طريق الارتفاع أو الانخفاض به، بحثاً عن ريح تدفعه نحو الوجهة المطلوبة.

تاريخ المناطيد

 بدأت تجارب مناطيد الهواء الساخن بشكل فعلي في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي. فقد شَهِد العام 1783م سلسلة من التجارب، أولاها كانت طرفة علمية حصلت صدفة مع الأخوين الفرنسيين "جاك وجوزيف مونتغولفييه" اللذين كانا يعملان في صناعة الورق، عندما لاحظا صعود الرماد والأوراق المحترقة داخل المدفأة، دون أن تحركها أية قوة خارجية، فبدءا تجاربهما بملء أكياس ورقية صغيرة بالدخان، ظناً منهما أنَّ الدخان يقدر على رفع الأكياس في الجو، ولكن تبين لهما أن الهواء الساخن هو الذي يتسبب في رفع الأكياس، حتى تمكَّنا في الرابع من حزيران من عام 1783م من تجربة تطيير منطاد كبير مملوء بالدخان ومصنوع من القماش المغطى بقصاصات ورقية بقطر /11/ متراً، ليرتفع أمام حشد جماهيري كبير في مدينة "أنوناي" الفرنسية، ثم طيَّرا المنطاد نفسه يوم /27/ آب من عام 1783م لمسافة /25/ كيلو متراً تقريباً فوق مدينة باريس وحَطَّ في بلدة "جونيس". وفي أيلول من العام نفسه أطلقا منطاداً صنعاه من  الكتان والورق بوساطة إشعال النار تحته، وكان ذلك المنطاد يحمل بطة وديكاً وخروفاً (ما يعادل تقريباً وزن إنسان)، حيث حَلَّق بهم لمدة ثماني دقائق، وعاد بهم سالمين، وتمَّ ذلك بحضور الملك الفرنسي "لويس السادس عشر" وزوجته. وفي /15/ تشرين الأول من العام نفسه (1783م)، أصبح العالِم الفرنسي "جان دي روزييه" أول من تمكَّن من الطيران بأحد مناطيد الأخوين مونتغولفييه المقيدة، حيث حَلَّق إلى ارتفاع /25/ متراً.

وكانت مناطيد مونتغولفييه تُسخّن بوساطة فرن يحرق القش المقطَّع، بيد أنه اتَّضح أنه من الأجدى استخدام غاز "الهيدروجين" لرفع المناطيد في الجو بدلاً من الهواء الساخن، فالهيدروجين أخف من الهواء بأربع عشرة مرةً، وعندما يُحبَس داخل منطاد تكون له قوة رفع هائلة. وعلى أساس هذه النظرية قام الكيميائي الفرنسي "جاك تشارل" بمساعدة الأخوين "آن وماري روبير"، بصنع منطادهما المُعبّأ بالهيدروجين. ففي الوقت الذي كان فيه الأخوان مونتغولفييه يجريان تجاربهما على مناطيد الهواء الساخن، كان تشارل والأخوان روبير يعملون لإنتاج منطاد الهيدروجين؛ حيث قاما بإطلاق أول منطاد هيدروجيني مصنوع من الحرير المشبع بالمطاط وبدون ركاب يوم /27/ آب من عام 1783م في باريس. ووصل ذلك المنطاد إلى ارتفاع يصل إلى نحو /900/ متر، وهبط على بُعد 25 كيلو متراً تقريباً من مدينة باريس. ثم قام تشارل يرافقه "ماري نويل" بأول طلعة في منطاد هيدروجيني مُزوَّد بعربة (أو قفص) في أسفله لحمل الراكبين، وذلك يوم 1 كانون الأول من عام 1783م، حيث أقلعا من باريس إلى ارتفاع يصل نحو /600/ متر، وحَلَّقا لمدة ساعتين ولمسافة تزيد عن /40/ كيلو متراً إلى خارج المدينة. واجتذب مشهد إقلاع المنطاد في الجو الكثير من المشاهدين، وأصبح هواة ركوب المناطيد أبطالاً محليين. واستخدمت أغلب الطلعات في ذلك الحين مناطيد الغاز.

وفي أثناء "الحرب الأهلية الأمريكية" (1861-1865م)، استُخدِمَتْ المناطيد من قبل كلا الطرفين المتحاربين (الشماليين والاتحاديين). كذلك استُخدِمَتْ المناطيد والحمام الزاجل لنقل البريد من مدينة باريس المُحاصرة إلى خارجها في أثناء "الحرب الفرنسية-البروسية" (1870-1871م). وخلال "الحرب العالمية الأولى" (1914-1918م) استُخدِمَتْ مناطيد المراقبة، من كلا الطرفين المتحاربين (الحلفاء والمحور). كذلك قامت بريطانيا خلال تلك الحرب باستخدام حاجز المناطيد الهيدروجينية، لحماية مدينة لندن من الطيران المعادي المنخفض،. حيث كانت تُربط تلك المناطيد بحبال إلى الأرض، وعند اصطدام الطائرات المعادية (الألمانية) بالحِبال، كانت تتشابك معها، أو تصطدم تلك الطائرات بالمناطيد، مُسبِّبة انفجار المناطيد (لأن الهيدروجين سريع الاشتعال) وبالتالي احتراق الطائرات. وبلغ طول هذا الحاجز حول مدينة لندن، حوالي /82/ كيلو متراً. وقد اقتبست إيطاليا وفرنسا وألمانيا، حواجز مناطيد مماثلة في تلك الحرب. واستُخدِمَتْ المناطيد ثانيةً خلال "الحرب العالمية الثانية" (1939-1945م)، من قبل كلا الطرفين المتحاربين (الحلفاء والمحور)، وذلك لحماية المدن والسفن. واستخدم اليابانيون المناطيد في تلك الحرب، لحمل القنابل إلى الشاطئ الغربي للولايات المتحدة الأمريكية.

ومنذ ثلاثينات القرن العشرين وحتى الآن، استُخدِمَتْ المناطيد المأهولة وغير المأهولة بالركاب لدراسة واستكشاف الجزء العلوي من الغلاف الجوي. وفي خمسينات القرن العشرين المُنصرِم قام الضابط الجوي الأمريكي "جوزيف كيتينغر" بالعديد من القفزات المظلية من مناطيد تُحلِّق على ارتفاعات عالية، بهدف اختبار أنواع جديدة من المظلات، وملابس الحماية من الضغط. وفي عام 1963م، حدث تطور هام في الولايات المتحدة الأمريكية، أدى إلى ازدهار المناطيد كنوع من أنواع الرياضة. ففي ذلك الوقت تمَّ تطوير مناطيد الهواء الساخن للقيام بدوريات الشواطئ لحساب الأسطول الأمريكي من قِبل شركة "داكوتا الشمالية"، ثم فتر اهتمام الأسطول بالمشروع، بيد أن الشركة سوَّقت ذلك التصميم كمنطاد رياضي. وهكذا وُلد منطاد الهواء الساخن الرياضي الحديث.

أنواع المناطيد واستخداماتها

1-مناطيد الغاز: احتلَّ المنطاد الغازي مكانة متقدمة، مُفضَّلاً على الأنواع الأخرى من المناطيد المملوءة بالهواء الساخن. وعلى الرغم من أن المنطاد الغازي يستغرق وقتاً طويلاً ريثما يتم ملؤه بالغاز، إلا أنه يتميز بالهدوء وسهولة التناول وارتفاعه إلى مسافات كبيرة، وفوق ذلك كله إمكانية إعادة استخدامه.

تُملأ المناطيد الغازية إما بغاز "الهيدروجين" أو بغاز "الهيليوم"، أو بـ "الغاز الطبيعي". إن غاز الهيدروجين أخف من غاز الهيليوم، ولهذا فإنه يولِّد قوة رفع أكبر، إلا أنه لابد من توخِّي الحذر عند استعمال غاز الهيدروجين لأن قابليته للاشتعال شديدة. وعلى الرغم من ثِقَلْ غاز الهيليوم نسبياً، إلا أنه يتميز عن غاز الهيدروجين بأنه أكثر أماناً. بينما يُولِّد الغاز الطبيعي قوة رفع تقل عن القوة التي يولدها غازي الهيدروجين والهيليوم، إلا أن تكلفته أقل منهما. ومن أهم أنواع مناطيد الغاز، مناطيد الألعاب الرياضية، ومناطيد التمدُّد، ومناطيد الضغط العالي ومناطيد الضغط الصفري. وتُستخدم الأنواع الثلاثة الأخيرة في إجراء البحوث العلمية على ارتفاعات قد تصل إلى /48/ كيلو متراً. يُصنع الكيس الخاص بمناطيد الألعاب الرياضية الغازية من اللدائن (النايلون)، أو من الأقمشة القطنية المُشبعة بالمطاط الذي لا يسمح بنفاذ السوائل. ويكون الكيس عادة كروي الشكل، وهو أكثر الأشكال كفاءة، نظراً لاحتوائه على حجم معلوم، تُغلِّفه شبكة من الجبال القطنية توزع الحمل بالتساوي على النسيج وتضم الشبكة مع بعضها البعض أسفل الكيس على حلقة تحميل خشبية أو معدنية (فولاذية) تُعلَّق بها "سلَّة" لتحمل قائد المنطاد وبقية الركاب. ويتوقف حجم الكيس على قدر الحمولة التي يتعين عليه حملها، والتي تتضمن وزن كل من السَّلَّة والركاب والمعدات والإمدادات. وكلما زادت الحمولة المطلوب حملها، زاد حجم الكيس. ويعبر عن حجم المنطاد عادةً بحجم الكيس وهو مملوء بالكامل. ويصل حجم منطاد الألعاب الغازي المعتاد الذي يحمل فردين اثنين إلى نحو /990/ متراً مكعباً. ويبلغ قطر المنطاد من هذا الحجم نحو /12/ متراً. ولا يكون الكيس مسدوداً، بل يوجد في أسفله أنبوب ضيق ومفتوح، يُسمى "الذيل" أو "الزائدة". وكلما ارتفع المنطاد انخفض ضغط الهواء الجوي وتمدَّد الغاز الموجود داخل كيس المنطاد، حيث يسمح أنبوب الذيل للغاز بالتسرب بطريقة آلية، مما يمنع المنطاد من الانفجار كنتيجة للضغط داخله، وعند هبوط المنطاد يُغلق الأنبوب ليمنع الهواء من الدخول إلى المنطاد وتكوين خليط متفجر مع الهيدروجين. وتوجد كذلك فتحة أخرى أعلى الكيس، مُغطَّاة ومُغلقة بصمام خشبي أو معدني (زنبرك) أو مطاطي مرن، يتم التحكم بذلك الصمام عن طريق حبل يتدلى إلى أسفل المنطاد من داخل الكيس ويخرج من خلال أنبوب الذيل ليصل طرفه إلى السلة. وعند الرغبة في الهبوط، يجذب قائد المنطاد هذا الحبل، فينفتح الصمام، ليسمح بخروج بعض الغاز. ويُثبَّت أعلى الكيس أيضاً، رقعة كبيرة الحجم تتحكم في خروج الغاز، ويتم التحكم بها بوساطة حبل أحمر اللون، يقوم قائد المنطاد بفتحها لتفريغ الغاز في حالات الطوارئ والحاجة إلى تفريغ المنطاد دفعة واحدة، أو بعد الهبوط لتجنُّب دحرجة المنطاد على الأرض وتعرُّضه للثقب في حالة الهواء الشديد. وإذا تمزَّق الكيس في الجو فإن أجزاءه تُحتجز داخل شبكة الحبال القطنية، وتعمل كمظلة وإن كانت مظلة أولية. أما السَّلَّة فتُصنع من ألياف الصفصاف المنسوج، وهي ألياف قوية وخفيفة الوزن، كما أنها تتميز بامتصاص الصدمة عند الهبوط العنيف. ومن مميزات مناطيد الغاز، الثبات وقوة الرفع. أما العيوب الرئيسة لها، فهي زيادة التكاليف وصعوبة نفخ المنطاد، حيث تستغرق عملية نفخه حوالي الساعتين.

 

2- مناطيد الهواء الساخن (المناطيد الحرارية): تعتبر مناطيد الهواء الساخن الحديثة التطور التصميمي والحقيقي والهام الوحيد تقريباً، الذي أخذ مكانة منذ اختراع المناطيد. وعلى الرغم من ضعف قوة رفعها نسبياً وضعف ثباتها، إلا أنها مسؤولة عن الزيادة السريعة والهائلة في رياضة الطيران بالمناطيد، وذلك بسبب انخفاض تكلفتها وبساطتها وما يُلازمها من عوامل أمان أيضاً. وتُستخدم مناطيد الهواء الساخن أساساً في الرياضة والدعاية التجارية.

ترتفع مناطيد الهواء الساخن في الجو لأن الهواء داخل كيس المنطاد أسخن من الهواء المحيط به، ومن ثَمَّ أخف منه. فالهواء يتمدد بالتسخين ويصبح أخف من هواء بارد في حجم مساوٍ له. ويتم تسخين هواء كيس منطاد الهواء الساخن باستخدام "موقد" أو "حارق" (مُضرم النار)، يتم إشعاله بوساطة غاز "البروبان"، وهو غاز رخيص نسبياً، وليست له أية خطورة عند تداوله بشكل سليم. وتخرج من الموقد شعلة تتجه إلى أعلى داخل الكيس. وتتراوح الحرارة المتولدة عن الموقد عادة، بين /3/ و/5/ ملايين وحدة حرارية بريطانية في الساعة، وتعتبر هذه الكمية أكبر بكثير من الحرارة التي تتولد من عدد من المسخنات الصناعية. ومن ناحية التركيب، فإن مناطيد الهواء الساخن تختلف كثيراً عن مناطيد الغاز. فالهواء الساخن لا يستطيع النفاذ عبر الأنسجة بالطريقة التي ينفذ بها غاز الهيدروجين مثلاً، ولذلك يُصنع كيس منطاد الهواء الساخن من نسيج خفيف جداً، يكون عادةً من النايلون المُقاوم للتمزُّق المُعالج بالـ "بولي يوريثان" لتقليل المسامية، أو يُصنع من الـ "بوليستر". ولا بُدَّ من أن يصل حجم الكيس إلى /1700/ متر مكعب، ليتمكن المنطاد من حمل شخصين مثلاً. وتُصنع مناطيد الهواء الساخن اليوم بأحجام مختلفة، تتراوح بين /850/ و/4000/ مترٍ مكعب، لتحمل من شخص إلى ستة أشخاص. والشكل الطبيعي لمنطاد الهواء الساخن متسع في أعلاه، ثم يتناقص ذلك الاتساع تدريجياً باتجاه قاعدة المنطاد، ويحدث ذلك بشكل طبيعي بفعل الضغط الداخلي. وتوجد أسفل الكيس فتحة كبيرة تُسمى "الفوهة"، يدخل من خلالها الهواء الساخن من الموقد إلى الكيس. كما توجد في أعلى الكيس فتحة ثانية مغطاة بصمام دائري تُسمى "المظلة" التي تحافظ على مكانها بوساطة حبال تُسمى "خيوط التحكم". وبسبب الضغط الأعلى قليلاً داخل الكيس، يستطيع قائد المنطاد فتحها قليلاً عند الرغبة في الهبوط، ليبرِّد الهواء داخل الكيس، كما أنها تفتح تماماً بعد النزول إلى الأرض، لإخراج الهواء الساخن من الكيس تمهيداً لحزم المنطاد. وتُزوَّد بعض الأكياس التي ليس لها مظلة برقعة لخروج الهواء الساخن، تُثبَّت إلى جوارها فتحة مثلثية الشكل تُسمى "فتحة التبريد" (أو "لوح التنفيس")، ويتم التحكم بها بوساطة حبل يسمح عند جذبه بخروج بعض الهواء الساخن عند الرغبة في الهبوط السريع، وتُغلق بوساطة حبل يسمح عند جذبه بخروج بعض الهواء الساخن عند الرغبة في الهبوط السريع، حيث تُغلق بوساطة مادة لصق ذاتية مثل مادة الـ "فيلكرو"، وبحيث يمكن أن تكون محكمة الإغلاق ومستعدة للطيران ثانيةً في غضون دقائق قليلة. وخلافاً لمناطيد الألعاب الغازية، فليس لمناطيد الهواء الساخن شبكة، بل تُعلَّق الحمولة بوساطة حبال قوية من النايلون، محيطة بالكيس، وتتم خياطتها معه. وتتدلى من تلك الحبال أسلاك معدنية من الصلب تُسمى "هيكل تحميل"، تُثبِّت الموقد ما بين السَّلَّة وفوهة الكيس، وتقوم مقام حلقة التحميل في مناطيد الغاز. أمّا السَّلَّة فتُصنع من ألياف الصفصاف أو من الألمنيوم، وتوضع داخلها خزانات وقود البروبان (جرة غاز). وتصل أنابيب الوقود ما بين الموقد وخزَّانات الوقود. كذلك توضع في السَّلَّة مِطفأةُ حريق لاستعمالها عند الطوارئ. ويمكن أن تتم عملية نفخ المنطاد خلال دقائق معدودة، وتُعوِّض هذه الميزة ضعف ثبات مناطيد الهواء الساخن في الجو (الذي قد يصل إلى خمس ساعات، وذلك اعتماداً على وزن الحمل الذي يحمله المنطاد، وعلى كمية غاز البروبان المتوفرة في الخزانات). كما أن لمناطيد الهواء الساخن ميزة إعادة الاستخدام، وقابلية الهبوط التدريجي غير المفاجئ، أو على الأقل، لها القدرة على إنهاء الطيران في حالة احتراقها أو عند تحطمها. وفي نهاية القرن العشرين المنصرم، ظهر نوع جديد من المناطيد التي تُعبأ بخليط من غاز الهيليوم والهواء الساخن معاً.

3-السفن الهوائية: نظراً لعدم القدرة بشكل عام على توجيه المناطيد والتحكُّم بمساراتها التي تكون تبعاً لاتجاه الرياح التي تدفعها كيفما كان، ظهرت "المناطيد الموجَّهة" أو ("السفن الهوائية") التي تعتمد على فكرة المناطيد الغازية نفسها في ارتفاعها في الجو، ولكن تختلف عنها (وعن المناطيد بشكل عام) في أشكالها التي تشبه "السيجار" أو "كرة القدم الأمريكية" أو "القذيفة المُوجَّهة"، وفي إمكانية التحكُّم باتجاهها وارتفاعها معاً. فالسفينة الهوائية مُزوَّدة بمحركات ودفَّات توجيه ورافعات تعطي قائدها (الذي يحمل إجازة طيار خاص بها)، القدرة على سيطرته على ارتفاعها واتجاه طيرانها، بالإضافة إلى تحكمه بسرعتها. وفي سبيل ذلك، زُوِّدت السفن الهوائية بمحركات مروحية أنبوبية في أسفـل قاعدة السفينـة الهوائيـة، وهي عبـارة عن دافعات داخـل أنابيب تـدور أفقياً وعمودياً لجعل السفينة الهوائية ترتفع أو تهبط. كما يمكن تغيير اتجاهها، بإدارة أسطح التوجيه الموجودة في ذيلها. وللسفن الهوائية عدة أنواع، مرنة، وصلبة (فيها هيكل معدني)، ومتوسطة الصلابة (توجد فيها دعامة تمتد على طول الغلاف الخارجي للسفينة). وقد استُخدِمَتْ السفن الهوائية في نقل الركاب خلال الثلث الأول من القرن العشرين، إلا أن كثرة حوادثها -وآخرها كان تحطم السفينة الألمانية "هندنبيرغ" عام 1937م، حيث قُتل /35/ شخصاً من بين /97/ كانوا على متنها- كان بمنزلة الإعلان عن توقف استخدام السفن الهوائية في نقل الركاب. أما اليوم، فإنها تُستخدم على نطاق ضيق في الإعلانات التجارية وكمنصات كاميرات تصوير الأحداث الرياضية وغيرها، وفي أغراض عسكرية مثل الحراسة والإنذار المبكر، وفي عمليات الإنقاذ، وفي الترفيه والنزهة والسياحة الجوية لرؤية المناظر الطبيعية الخلابة ومراقبة مواطن الحياة الفطرية، لأنها تحلق بسرعة بطيئة ولا تُصدر ضجيجاً يُذكر، وقد تستخدم مستقبلاً في رفع الأوزان التجارية الثقيلة وتفريغ السفن البحرية.

صناعة مناطيد الهواء الساخن

   لم يطرأ على صناعة المناطيد أي تعديلات جوهرية منذ ظهورها وحتى يومنا هذا، باستثناء إستعانة مصانع المناطيد بالآلات وأجهزة الكومبيوتر الحديثة، لتُنتج أشكالاً مُتنوِّعة ومُثيرة من المناطيد تُلبِّي رغبات وأذواق وتوجُّهات الزبائن من مُستخدِمين ومُعلِنين، حيث ظهرت أشكال غريبة منها، مثل أشكال السيارات والطائرات والشخصيات المشهورة والحيوانات وعبوات المشروبات وغيرها... في تصاميم تُسلِّط الضوء على حدث ما، وتُبرِز إبداعات المُصمِّمين وتَفَتُّق أذهانهم. لكن الشكل المألوف لمنطاد الهواء الساخن، هو ذلك الشكل الشبيهة بالدمعة أو ثمرة فاكهة "كُمَّثرى" مقلوبة رأساً على عَقِب، أو "لمبة إضاءة تقليدية مقلوبة".

تنتشر مصانع المناطيد حالياً في فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وإسبانيا وكندا. وتقوم بعض المصانع والشركات بصنع كل مُكوِّنات المناطيد بنفسها، من غِلافات (أكياس) المناطيد والحرَّاقات والسِّلال وأسطوانات الغاز، بينما تقوم مصانع أخرى بصنع الغِلافات فقط، وتستعين بشركات أخرى في تأمين باقي المُكوِّنات.

تقع مناطيد الهواء الساخن تحت حكم القوانين النَّاظِمَة للطيران، لذا يتعيَّن على هندستها أن تكون مُطابِقَة لمعايير سلامة وأداء مُحدَّد. ولأن أحجام وأشكال المناطيد مُختلفة، فإن كل عملية خِياطة غِلاف منطاد تختلف عن الأخرى. في البداية، توضع رسومات بسيطة ثُنائية الأبعاد لشكل المنطاد، ويتم تخطيط الفكرة الرئيسية له. وحالما يتلقَّى التصميم التقني الموافقة على التصنيع، يتم تصميم أنموذج ثُلاثي الأبعاد للمنطاد على جهاز الكومبيوتر، حيث يعمل المصنع على التصميم البياني. ثم يبدأ فريق المصنع بحسابات مُتعدِّدة لمعرفة حجم وشكل الأقمشة اللاَّزمة لصنع أقسام المنطاد النهائي، ثم تُدخَل المعلومات إلى آلة رقمية تقوم بقصِّ قالب ورقي لكل قطعة، حيث يطبع الكومبيوتر نسخة ورقية لكلٍ منها، ويُحوِّل البيانات إلى تصاميم تُشبِه أُحجية صور مُقطَّعة ضخمة؛ لكل قطعة منها رقم شيفري، ثم تُستخدَم هذه القوالب لقصِّ قطع القماش. يُصنع غِلاف المنطاد في غالب الأحيان من شرائح مادة "النايلون"، التي تتميَّز بخِفَّة وزنها وشِدَّةِ تحمُّلها وارتفاع درجة انصهارها ومُقاومتها للتمزُّق والتشكُّل وعدم تسرُّب الهواء منها. وينبغي أن يتحمَّل غِلاف المنطاد ضغطاً يبلغ /900/ كيلوغراماً في المتر المُربَّع الواحد. ونظراً إلى أن المناطيد تُحلِّق عادةً في الصباح الباكر؛ عندما يُغطِّي النَّدى الأرض، لذلك توجد على نسيج النايلون الذي يصنعون منه غِلاف المنطاد طبقة "سيليكون مُشمَّع" لا تسمح بنفاذ السوائل، وذلك لمُقاومة الرُّطوبة التي قد تُحدِث عَفَنَاً على الغِلاف. وتتطلَّب بعض التصاميم أقساماً مُختلفة من القُماش، حيث تستهلك خمسة كيلومترات بعرض المتر من المادة مثلاً، وتحتاج إلى خمسة وخمسين كيلو متراً من الخيوط. وفي التصميم التقليدي للمنطاد، تتم خِياطة شريط نايلون إضافي (شريط الدَّعم الأساسي) على طول الغِلاف، وذلك لتخفيف الضغط عن السَّلَّة. وبعد رسم كل طبعة بأقلامٍ شحمية، يقوم عمال الخياطة بقصِّ النسيج باليد، ويُعلِّمون الرقم الشيفري المُتطابِق على ظهر كل قطعة. وتِبعاً للتصميم، يقومون بخِياطة الأجزاء معاً، مثل لِحافٍ ضخم، وذلك بوساطة خيطٍ متين، ونوع القُماش المُستعمَل قوي جداً (يُماثِل القُماش الذي يُصنع منه الجينز). ثم يخيطون القُماش بأربطة من النايلون والبولميرات (أشرطة منسوجة) تُحيط بالقُماش، فتمتدُّ أُفقياً وعمودياً وتُشكِّل شبكةً ضخمة مُقاومة للقطع تُسمَّى "حِزام الرَّفع"، ففي حال تمزُّق النسيج فإن القُماش والأشرطة المنسوجة معاً تمنع انتشار التمزُّق. ولأن مناطيد الهواء الساخن تحمل غالباً شعار الشركة الرَّاعية، يُقسِّم العمال التصميم إلى مُكوِّناتٍ يُسلِّطون كلٍ منها على قطعة من نسيجٍ يرسُمونها ثم يقُصُّونها، ثم يُلصِقون المُكوِّنات ويُخيطونها بنسيج غِلاف كيس المنطاد. ويُكسى الجزء السُّفلي من الغِلاف بمادة خاصة مُقاومة للاحتراق، لتفادي اشتعال المنطاد بأثر لَّهب الموقِد؛ القريب من ذلك الجزء من الغِلاف. ثم يأتون بسلك فولاذي صلب خاص بالطائرات ليربط غِلاف المنطاد بالسَّلَّة تحته، فيقوم العمال بإدخال غِلاف بلاستيكي ثم غِلاف نُحاسي فوق طرف واحد، ثم يُثبِّتون السِّلك بعقدةٍ يُغطُّونها بحلقةٍ فولاذيةٍ صلبة، ثم يُجعِّدون الغِلاف النُحاسي لإغلاق العقدة. وبعد أخذ قياساتٍ مُختلفة، وللتأكُّد من مُطابقة كل شيء مع المواصفات الدقيقة، يلفُّون شريطاً لاصقاً حول الطرف المُتجعِّد الحاد، وكذلك يُلصِقون غِلاف بلاستيكي فوق الطرف المُتجعِّد الحاد ويُغلِّفونه به عبر تسليط هواءٍ ساخن عليه بوساطة مُسدَّسٍ حراريٍ صناعي، وذلك لسَدِّ الوصلة (طرف العقدة). أما إذا كان شكل المنطاد أكثر غرابة وتعقيداً (مثل شكل وجه الوحش)، فإن تصميم وتصنيع غِلاف المنطاد يغدو أكثر صعوبة، وذلك نظراً لوجود بروزات ونتوءات كثيرة في الغِلاف. ولحلِّ هذه المُشكلة، يقوم المُصمِّمون بوضع سلسلة سدائل وثقوب داخل الغِلاف، وذلك لتوجيه الهواء الساخن عند نفخ المنطاد نحو الأقسام المُعقَّدة.

وبالنسبة للسَّلَّة (أو "السَّبَتْ")، فيجب أن تجمع بين صفات المتانة والخِفَّة والمرونة. وتتفاوت أحجام سِلال مناطيد الهواء الساخن تِبعاً لعدد الأشخاص الذين ستحملهم، فيتجاوز طول بعضها السِّتَّة أمتار وتتَّسع لأكثر من ثلاثين شخصاً، وكُلَّما كان حجم السَّلَّة أكبر ازدادت أقسام الرُّكَّاب فيها، وتعمل الحواجز بين الأقسام على حماية الرُّكَّاب من التشقلُب فوق بعضهم في أثناء هبوطٍ مُضطرِب، وفي الوقت نفسه تُقوِّي تلك الحواجز بُنية السَّلَّة الإجمالية.

تُصنع السَّلَّة من مادة "الأماليد" أو "الخوص" (مادة من "سُعُف النخيل") أو من مواد طبيعية مُماثلة محبوكة فوق إطارٍ من فولاذٍ صلب، والأماليد هي مادةٌ مَرِنَة بما يكفي لامتصاص صدمة هبوطٍ مُضطرِب، وتتمتَّع مادة الخوص كذلك بمثل تلك المواصفات. يقوم العمال بتغطية حافَّات قاعدة السَّلَّة بجِلدٍ غير مدبوغ لوقاية الأماليد عندما تحتك بالأرض، ويحشُون الطرف الأعلى ثم يُغطُّونه بقُماشٍ سويدي أو بجلد، لجعله مُريحاً عندما يستند إليه المُسافرون لتأمُّل المشاهد الطبيعية. أما الأعمدة العمودية المصنوعة من النايلون فتنطبق داخل الإطار، ووظيفتها هي حمل موقِدَي النار فوق السَّلَّة.

ولِحِياكة سلَّة منطاد هواءٍ ساخن يقوم العمال أولاً ببناء إطار السَّلَّة، فيقُصُّون قطعاً من أنابيب مصنوعة من الفولاذ الصامد ويُدوِّرون قطع الزوايا يدوياً، ثم يجمعون الإطار بِلِحام الأجزاء كلها معاً. وتالياً يقومون بقصِّ لوحٍ من خشبٍ رقائقي ليُستخدَم كأرضية للسَّلَّة، ثم يشُقُّون في الأرضية ثقوباً من أجل أسلاك الدَّعم الفولاذية الصلبة، فالأسلاك تُقوِّي الأرضية لحمل وزن الرُّكَّاب. وبعد تحديد المنطقة حيث سيُثبِّتون جُدران السَّلَّة، يُمرِّر العمال الأسلاك تحت الأرضية وهي مقلوبة رأساً على عَقِب تاركين زيادة على الطرفين لتطويق أعلى جوانب السَّلَّة، ثم يشُقُّون فُتحةً بعرض الأسلاك في مسالِك، ويضعون فوقها قطعاً طويلة من خشب "الدردار" وظيفتها حماية قاعدة السَّلَّة وتزويدها بالصَّلابة. بعد تثبيت المسالِك، يستخدم العمال "ميسماً" (مكواة طابعة) لوسم اسم وشعار الشركة المُنتِجَة على الأرضية، ثم يرُشُّون عليها طبقةً من "اللَّكر" لمنع تعفُن الخشب بسبب الرُّطوبة، وفي حال كانت السِّلال أكبر فعندها تحتاج إلى أسلاك تقوية مائلة لتأمين دعمٍ إضافي. أما جُدران السَّلَّة فهي مصنوعة من أغصان "الخيزران" (وهي سيقان صلبة شبه خشبية لنبتةٍ آسيويةٍ إستوائية، تشتهر إندونيسيا خصوصاً بإنتاجها)، فهي مادة قابلة للتمدُّد وتتحمَّل الضغط. ولتشكيل الجُدران ينقعون الخيزران طِوال الليل في حوض ماء، وعند الصباح يصبح ليِّناً ويستطيع الحابِكون البدء بعملهم، فيبدؤون بتركيب الأجزاء العمودية، حيث يُوصِلون كلاً منها بالإطار في الأعلى والأسفل بوساطة قصبة خيزران رقيقة، ثم يمُدُّون الأسلاك الدَّاعمة من الأرضية صعوداً عبر الإطار؛ بحيث تبعد الأجزاء العمودية عن بعضها خمسة وأربعين سنتيمتراً على طول الجوانب وعشرة سنتيمترات حول الزوايا، ويقوم الحابِكون بملء الفجوات بأجزاءٍ عمودية أدق عند كل خمسة سنتمترات، حيث يربطونها بالإطار والأرضية بوساطة الحبل، وبعد تركيب الأجزاء العمودية كلها يحين الوقت لحِباكة جُدران السَّلَّة من القاعدة صعوداً، عبر تشبيك قصبات خيزرانٍ أفقية. يستطيع حابِكان إنهاء سلَّة صغيرة في غضون يوم واحد، لكن السِّلال الكبيرة التي تتَّسِع لعشرة ركاب مثلاً، تتطلَّب فريقاً من أربعة أشخاض وتستغرق حِباكتها حوالي ثلاثة أسابيع، وهم يلجؤون إلى تقنيتين لتشبيك قصبات الخيزران في جُدران السَّلَّة، الأولى تُدعى "رندة"، وهو التمرير إلى الداخل والخارج بقصبةٍ واحدة، وتُدعى الثانية "الحواتة"، وهي حِباكة ثلاثة قصبات مرةً واحدة؛ والحواتة تجعل السَّلَّة أكثر صلابة، لكنها ستكون سلَّةً أثقل للغاية لأنها تتطلَّب كميةً خيزران أكبر بثلاثة أضعاف. وفي بعض النماذج يتعمَّدون إبقاء فُوَّهات مُؤطَّرة بالمعدن في جُدران السَّلَّة، لتكون بمنزلة درجات فولاذية صلبة محبوكة في السَّلَّة، تمنح الرُّكَّاب موطِىء قدمٍ لدى صعودهم على متن المنطاد. وتنتهي الحِباكة تحت أعلى الإطار مُباشرةً، ولإنهائها يُقسِّمون بقية كل قصبة عمودية في الوسط بسكين أو مِشرط، ثم يُسطِّحون ما تَبَقَّى حول الإطار ويُغلِّفونه. ويدمج الحابِكون مَسكاتٍ حبلية في أعلى السَّلَّة، لتزويد الرُّكَّاب بما يتمسَّكون به في أثناء الرحلة، ويضعون أيضاً مقابض في القاعدة لحمل السَّلَّة. ثم يقومون بتبطين الإطار بقطع من "الرَّغوة الإسفنجية" (دعامة إسفنجية) التي يشُقُّون ثقوباً فيها لتمرير الأسلاك الدَّاعمة من خلالها، والغرض من تلك الدَّعامة هو توفير الرَّاحة والأمان، فهي تُوَسِّد المعدن القاسي في أثناء رحلة مُتخبِّطة. وبعد إلصاق قطع الرَّغوة معاً لمنعها من تغيير مكانها، يُزلِقون فوقها غِطاءً جلدياً، ثم يُمرِّرون رِباط بوليستر من خلال الثُّقوب لإغلاقه. أخيراً، مع بضع طَرقاتٍ من المِطرقة، يكشفون الأنابيب القصيرة التي سيتَّصل بها إطار الحمولة الذي يحمل "مِضرِمَي اللَّهب" (موقِدَي النار) عالياً فوق السَّلَّة، حيث يُحيط ملف تسخين بكل مِضرَم. ولصُنعه يلُفُّون أنبوباً من فولاذٍ صامد حول شكلٍ ليصبح ماسورة مُلتوية ملحومة، ثم يُثبِّتون عليه شريطاً مُقوِّياً وصنبور التحكُّم ومقياس الضغط الذي يُراقب كافة العمليات الجارية في الموقِد.

تحمل السَّلَّة خزَّانات (جَرَّات) وقودٍ خفيفة الوزن مصنوعة من "الألمنيوم" أو "التيتانيوم"، وتحوي غاز "بروبان" سائل، ويتدفَّق البروبان صعوداً داخل الغِلاف، وعندما يُشعِل قائد المنطاد مِضرَم اللَّهب، سيسخن الغِلاف ويُحوِّل البروبان المُتدفِّق في الداخل من سائلٍ إلى غاز، وبالتالي سيُغذِّي الغاز اللَّهب الذي يُسخِّن الهواء داخل غِلاف المنطاد؛ ومن البديهي أن الهواء الساخن أخف من الهواء البارد، فيؤثر في المنطاد ويؤدِّي إلى ارتفاعه في السماء.

ويُستخدَم غاز "البروبان" في تسخين هواء كيس منطاد الهواء الساخن، وهو الغاز المُستخدَم في إشعال فحم موقِد مشاوي اللُّحوم، لكن المشواة تُنتِج /70/ ألف وحدة حرارية، بينما موقِدا المنطاد بقوة /3500/ حصان (أقوى بعشر مرَّات من سيارة السِّباق الرياضية) يُنتِجان معاً 30 مليون وحدةٍ حرارية؛ وهو مِقدارٌ كافٍ لتدفئة مبنى كبير. وبعد وصل السَّلَّة بإطار المشاعِل بوساطة أسلاك خاصة، يقومون بتغطية الأسلاك والأعمدة العمودية بحشوةٍ واقية. ثم يقومون بوصل الخراطيم التي تمتد من المشاعِل إلى خزَّانات البروبان الموضوعة في السَّلَّة. ويلتفُّ حول الموقِد أنبوبٌ صلبٌ، حيث يُشعِل قائد المنطاد غاز البروبان الذي يَمُرُّ أولاً في شكلٍ سائل عبر هذا الأنبوب الحلزوني، ثم يتحوَّل الوقود إلى غاز مع ارتفاع درجة حرارة الأنبوب، نتيجة احتراق الوقود نفسه. والهدف من ذلك، هو الاستفادة من قوة اللَّهب الناتج عن احتراق الوقود في حالته الغازية، وكفاءة استهلاكه مُقارنةً بحالته السائلة، وكذلك إصداره ضجيجاً أقل.

والآن، ومن أجل التجميع النهائي والإختبار، أولاً يُميلون السَّلَّة على جانبها، ثم يأخذون الأسلاك المُثبَّتة التي صنعوها سابقاً، ويُوصِلون طرفاً واحداً منها بإطار جهاز المشاعِل، أما الطرف الآخر فهو مُثبَّتٌ سابقاً بغِلاف المنطاد بمُعدَّل سلك واحد لكل قطعة عمودية من الأشرطة المنسوجة وفقاً لحجمه، حيث يبلغ عدد القطع في المنطاد بين /12/ و/28/ قطعة يُشكَّل منها هيكل المنطاد وتحمل وزن المركبة ورُكابها. وبعد نشر غِلاف المنطاد (فرشه على الأرض)، يستخدمون مروحةً كبيرة لنفخه جُزئياً بهواءٍ بارد، وهذا يستغرق ما بين /5/ دقائق و/20/ دقيقة وفقاً لحجم المنطاد، ثم يُشعِلون المشاعِل لتسخين الهواء البارد، فينتشر الهواء ليملأ غِلاف المنطاد. ولأن وزن الهواء الساخن أخف من الهواء البارد، فإن الهواء الساخن يرتفع ويسحب المنطاد نحو الأعلى بعيداً عن الأرض. يقوم قائد المنطاد بضبط الحركة العمودية عبر ضبطه حرارة الهواء في غِلاف المنطاد؛ فللصعود يقوم بزيادة لهب الموقِد، وللنزول يسحب حبلاً لإخراج الهواء الساخن من الأعلى ("المظلة" أو "فُتحة التبريد"). وهو لا يمكنه التوجُّه بالمنطاد أفقياً، بل تكمن البراعة في دخوله وركوبه لتياراتٍ هوائيةٍ مُختلفة الاتجاهات، فتأخذه إلى الإتجاه المطلوب في رحلته.

 

المَرَاجِع:

  • كتاب "قصة الطيران"/السيد المغربي - وزارة الثقافة والإرشاد القومي - القاهرة 1960.
  • كتاب "سلسلة ليديبرد - الإنجازات الحضارية-قصة الطيران" - مكتبة لبنان 1974.
  • كتاب "الموسوعة"/ترادكسيم - سويسرا 1985.
  • كتاب "الموسوعة العربية العالمية"/مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع - الرياض 1996.
  • كتاب "قصة الطيران"/محمود عويضة - الجمعية العلمية الملكية - عمَّان 1996.
  • كتاب "رياضات الطيران"/تأليف: محمد حسام الشالاتي - دمشق 2004.
  • كتاب "الوجيز في علوم الطيران"/ تأليف: محمَّد حسام الشَّالاتي-وزارة الثَّقافة-الهيئة العامَّة السورية للكتاب - دمشق 2015.
  • كتاب "جولة في المنطاد"/تأليف: محمَّد حسام الشَّالاتي-وزارة الثَّقافة-الهيئة العامَّة السورية للكتاب - دمشق 2020.
  • مهرجانات وبطولات ومتاحف الطيران التي شارك بها الباحث أو زارها في سوريا وبعض الدول العربية والأجنبية.

 

 

إعداد: محمد حسام الشالاتي

- باحث وصحفي مُتخصِّص في علوم الطيران والفضاء

- مدير مكتب مقاطعة إسرائيل في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية

husamalshalaty@gmail.com