في ظل أزمة النقل الجماعي التي باتت تتفاقم بلا حلول جذرية والتي برزت بشكل كبير خلال فترة الأزمة وتبعاتها، كان لا بد من تأمين البديل من قبل الأفراد أنفسهم من أجل قضاء حوائجهم أو الوصول إلى أماكن عملهم، وتأمين متطلبات منازلهم؛ إذ برزت الحاجة ملحة إلى اقتناء دراجة آلية باسمها المعتاد (موتور)، والتي انتشرت بشكل كبير جداً حتى أصبحت تجوب شوارع المدينة بشكل لافتٍ، وغالباً مزعجٍ، وتسبب إرباكاً للسير والمارة، عدا عن الحوادث والجرائم التي تتسبب بها. إن هذا الواقع فرض نفسه بشكل أوتوماتيكي جراء صعوبة تأمين النقل الجماعي، وبالتالي لا بد من وجود ضوابط تحدد عمل هذه الدراجات كي لا تتحول إلى وسيلة للتسبب بالحوادث من جهة، أو تكون وسيلة للنشل والسرقة وارتكاب الجرائم من جهة ثانية.
بالنظر إلى الجانب الإيجابي فقد كان للدراجات النارية فوائد عديدة منها: تأمين ركوبٍ وانتقالٍ سهلٍ لصاحبها، وتأمين دخلٍ مناسبٍ له أحياناً من خلال استثمارها في نقل الركاب، وتوظيفها في شركات التوصيل والمطاعم من أجل خدمة الزبائن وتلبية طلباتهم.
ريع اقتصادي في كافة دول العالم:
تحقق وسائط النقل ريعاً اقتصادياً وعوائدَ تصبُّ في الخزينة العامة من خلال تسجيلها في مديريات النقل، أو من خلال إلزام مالكيها بتسجيلها لدى شركات التأمين، عدا عن كونها تتزود بالوقود من المحطات النظامية بعيداً عما يسمى بـ«السوق السوداء» إضافة إلى الرسوم المحصَّلةِ جراءَ حصول مالكيها على رخصة قيادة وما إلى ذلك. فكَّر البعضُ باستثمار هذه الوسيلة بالشكل الأمثل، كي توفر عليه الانتظار والركض خلف حافلات الركوب العامة، والتي تخرج في أوقات الذروة كونها تتعاقد مع مدارس وروضات وموظفين، والبعض الآخر وجدها بديلاً مناسباً لنقل أولاده إلى المدرسة يومياً؛ -إذ إن تكلفة نقل الطالب الواحد عبر حافلات الركوب العامة والتي يتم التعاقد معها لهذا الغرض تبلغ بالحد الأدنى /150/ ألفاً للطالب الواحد- واستثمرها آخرون في نقل الطلبات الخاصة عبر الوقوف في الأماكن المزدحمة، ومراكز الانطلاق لقاء أجر متفق عليه يبلغ بين الـ /35/ ألفاً والـ/50/ ألفاً، وحسب مصدر الوقود الذي يتم التزود به، إضافة لاستخدام البعض لها في توصيل الطلبات من المحلات والمجمعات التجارية «المول» والمطاعم عبر تطبيق إلكتروني مطبّق على الجوال.
ضوابط للعمل:
من الضروري جداً في ظل انتشار الدراجات النارية أن يكون هناك قوانين تحدد عملها، كأن يتم ترسيمها وتزويدها برقم خاص لإضفاء الشرعية عليها، وضبط وجودها وملكيتها، والحد من السرقات التي باتت تنتشر كالنار في الهشيم؛ إذ لا يكاد يمر يوم دون أن تنظم /10/ ضبوطِ سرقةٍ لدراجاتٍ ناريةٍ على أقل تقدير في مختلف المحافظات مما يحول دون الحصول على رقم حقيقي، كون الضبوط تنظم في أقسام الشرطة، وهي كثيرة ومنتشرة، ويتم التسجيل بشكل يومي، وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة الربط ما بين المحروقات والنقل كي يتم اقتران رخصة السير ببطاقة التزود بالبنزين، مما يحد بشكل كبير من موضوع السرقات؛ فلا وقود بدون بطاقة تتطابق مع رقم الدراجة، في حين أنه لطالما هناك تعبئة للدراجات بدون بطاقة لن تنتهي ظاهرة السرقة، بالإضافة للاهتمام بجانب اللوحات، والتركيز على جانب الالتزام بشهادات القيادة، والتي يجب العمل عليها لسببين، أولهما والأهم معرفة راكب الدراجة بقواعد السير على الطريق، ووسائل الأمان والحماية التي تخفف من التسبب بالحوادث أو تحد منها، وثانيها -ولا تقل أهمية عن الأولى- تحقيق ريع مادي يرفد الخزينة من خلال الرسوم المحصّلة، والتي تبلغ لكل شهادة /265/ أـلف ليرة سورية اعتباراً من 13/11/2023 بعد أن كانت التكلفة في السابق فقط /75/ ألف ليرة سورية. بالأرقام وبحسب مصادر وزارة النقل فقد بلغ عدد الناجحين في شهادات القيادة الخاصة بالدراجات للعام الفائت في مراكز إجازات السوق /2798/ ناجحاً، تركّزت النسبة الأكبر في مركز إجازات سوق دمشق وريفها /1198/، يليها مركز دير الزور /297/، وبعدها يأتي مركز إجازات سوق حلب بـ /229/ ناجحاً، ولو افترضنا أن هذه الثقافة انتشرت بشكل توعوي أو بشكل قسري، نظراً للحاجة لوجود الشهادة وارتفع العدد إلى /5/ آلاف ناجح في كافة المراكز، سيكون الريع المحقق /13/ مليار و/325/ مليون ليرة سورية، وهو ما يشكل رافداً لا يستهان به للخزينة العامة، ويحقق عدة فوائد تصب في مصلحة مالك الدراجة، ومستخدم الطريق على حد سواء في الحد من الحوادث، وخاصةً أنه إذا علمنا أن ما يزيد عن الـ 60% من حوادث السير سببها الدراجات النارية بحسب مصادر مرور دمشق. وحسب احصائيات وزارة النقل خلال العام الفائت يوجد /9712/ دراجة مسجَّلة لدى مديرية نقل ريف دمشق بلغت رسومها نحو /630/ مليون ليرة سورية، فلو ارتفع هذا العدد للأسباب المذكورة أعلاه لضعفين فقط، سيكون العائد في مديرية نقل ريف دمشق مليار و/260/ مليون، وقد يصل هذا المبلغ بشكل تقريبي في كافة المحافظات لنحو الـ/10/ مليارات ليرة سورية، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه ليست كل المحافظات تحتاج الدراجات بنفس القدر في التنقل والعمل، وفي المقابل الآخر، فإن فرض وجود رقم خاص على الدراجات لا يسمح بتنظيم عملها واستيفاء الرسوم وحسب، وإنما يقضي بشكل مطلق على ظاهرة سرقة هذه الدراجات، ويلغي هذه الظاهرة بالمطلق، وهذا ليس بالأمر الصعب على الجهات الحكومية كما تحدثنا آنفاً لو تم البدء به حالاً على مبدأ أن تصل متأخراً خيراً من أن لا تصل.
القانون واضح:
مصادر في مرور دمشق أوضحت أن قانون السير ينص على أنه لا يجوز تسيير مركبة ما لم تكن مسجَّلة أصولاً من قبل مديريات النقل المختصة، ومن الضروري لراكب الدراجة حصوله على شهادة من فئة (آ) بالإضافة إلى أن وجود رقم خاص لكل دراجة مهم لمعرفة العائدية، والحد من الحوادث المتمثلة في السرقة والاعتداء والإيذاء، سواء عمداً أو عن غير قصد، ويصبح من السهل العودة للوحة، ومعرفة المالك حتى لو فر هارباً، وتضيف المصادر أن الرقم الخاص بالدراجة مهم لصاحب الدراجة بالدرجة الأولى، فمن خلاله يستطيع أن يتعاقد مع شركات التأمين، وبالتالي يحمي نفسه من مخاطر الحوادث، ويكون محصناً في حال -لا قدر الله- وقع حادث غير متوقع، وهذا مفيد لكافة الأطراف المتنازعة في مثل هذه الحالة، كما تضيف المصادر أن هذا العمل يجب أن يكون متكاملاً من قبل عدة جهات، لتنظيم مسارات سير لهذه الدراجات وضبط حركتها، والأماكن المسموح وجودها، وكذلك الحمولة وعدد الركاب المسموح به؛ فمن غير اللائق سير دراجة وسط الازدحام تقل رجلاً وزوجته وخمسة أطفال محشورين بشكل يهدد حياتهم، ويجعلهم عرضة للخطر، هم ومستخدمو الطريق، وهنا نبهت المصادر إلى أن حوادث الدراجات من الحوادث الخطيرة، والتي تتسبب إما إلى الوفاة أو إلى حالات عجز قد تكون دائمة أو بنسبة عالية من الضرر، وهذا كافٍ لجعل هذا الأمر محطَ اهتمامٍ ومتابعة حثيثة للبدء الفوري بالتحرك الجاد لإيجاد ضوابط تحقق الأمان لكافة مستخدمي الطريق.
إعداد: دريد سلوم
-إجازة في الإعلام /جامعة دمشق.
- صحفي في وزارة النقل/ المكتب الإعلامي.