استخدام الوقود الأخضر في قطاع النقل البحري


 

 

 

أهمية النقل البحري:

يعتبرُ النقلُ البحري الذي يتحملُ مسؤوليةَ نقل 90% من إجمالي حجمِ التجارة العالمية شريانَ الاقتصادِ العالمي. ولنا أن نتخيلَ أنه بدون النقل البحري سوف نكونُ عاجزينَ عن إنجاز المعاملات التجارية بين مختلفِ قارات العالم؛ سواء كانت تتعلقُ بموادٍ أولية أو غذائية أو منتجات مصنعة. وهو ما يعني أن نصفَ العالم سوف يموت جوعاً، فيما سيتجمد النصفُ الآخر. وتُعتبرُ السفنُ من بين أهم الأصولِ عالية القيمة حيث تصل تكلفةُ بناء سفينةٍ واحدة ما يربو على 150 مليون دولار، بينما تقترب الإيراداتُ السنوية للسفن التجارية من 500 مليار دولار، وهو ما يمثل 5% من حجم الاقتصاد العالمي. وتلعب الموانئُ العالميةُ والاسطول التجاري البحري دوراً رئيسياً في تسهيل حركة البضائع، وتخفيضِ أسعار النقل، وفي دفع حركة التطورِ الاقتصادي والنظامِ العالمي اللوجستي. ومع زيادة الاهتمام بهذا النشاطِ الاقتصادي الكبير، إلا أنه يواجه في الآونة الاخيرة تحدياتٍ كبيرة، من أهمها التلوثُ البيئي الناتج عن الوقود الأحفوري الذي تستخدمة الناقلاتُ البحريةُ بمختلف أنواعها، لذا بدأت الشركاتُ العالمية المتخصصة في النقل البحري بالبحث عن الوقود الأخضر الذي يُعدُّ صديقاً للبيئة ويخفف من انبعاثات الغازات السامة التي تُطلَقُ في الهواء؛ لذلك عمدتْ الشركاتُ المالكة للسفن للتحول إلى الوقود الأخضر البديل ببناء سفنٍ جديدة تراعي الاعتبارات البيئية، وتلبي أهدافَ خفض الانبعاثات، كما اتجه مالكو السفن إلى توقيع عقودٍ للطرازاتِ الجديدة العاملة بالوقود البديل بوتيرة ثابتة، إذ طلبوا 310 سفينة تمثّل حصةَ 41% من الحمولة المطلوبة في النصف الأول من العام الجاري 2024.

وأفاد تقريرٌ طالعته منصة الطاقةِ المتخصصة التي (مقرّها واشنطن) أن الشركات المالكة للسفن تركّز على مرونة الوقود، وسطَ ارتفاعٍ طفيف في الطلبات على الوقود البديل الجاهز، ما يشير إلى أن المالكين يستعدون للتحول إلى الوقود الأخضر عندما يصبح متاحاً في المواني، كما أوضح رئيسُ الأبحاثِ العالمية لدى شركة "كلاركسون ريسيرتش"، ستيف غوردون، أن "الاستثمار في الوقود البديل استمر في النصف الأول من عام 2024، وهو ما يمثّلُ نحو ثلثِ طلبات السفنِ الجديدة و41% من إجمالي الحمولة المحددة".

وخلال عام 2023، استثمر مالكو السفن في 578 سفينةً جديدةً مزوّدةً بالوقود البديل، بإجمالي 35.0 مليون طن، أي ما يعادل نحو 40% من السفن المطلوبة، حسب ما نشره موقعُ ريفييرا ماريتايم ميديا (Riviera Maritime Media)، المتخصص بأخبار وتحليلات صناعة الشحن البحرية العالمية، واستحوذَ الغازُ المسال على أكبر حصة في السوق، حيث بلغَ عددُ السفن 221 سفينةً، بسعة 19.3 مليون طن، يليه الميثانول (135 سفينة، بسعة 10.7 مليون طن).

وبالمقارنة، فإن 54% من الحمولة المطلوبة في عام 2022 كانت مخصصةً للسفن الجديدة القادرة على استعمال الوقود الأخضر؛ ولذلك فقد ارتفعت طلباتُ السفن "الجاهزة لاستعمال الوقود" من قبل المالكين إلى نحو خُمسِ جميعِ السفن الجديدة - 169 طلباً، أو 22% من الحمولة المطلوبة، وتوقّع رئيسُ الأبحاثِ العالمية لدى شركة "كلاركسون ريسيرتش"، ستيف غوردون، أن تُمثّلَ هذه السفنُ أكثرَ من 20% من الأسطول التشغيلي بحلول عام 2030،

وقال: "إن الاستثمارَ المتوقع في السنوات المقبلة، سيصل إلى أكثر من خُمس إجمالي سعة الأسطولِ العالمي الذي سيكون قادراً على استعمال الوقود البديل بحلول نهاية العقد"، وسيمثّلُ هذا نمواً بمقدار 10 أضعافٍ مقارنةً بعام 2017، عندما كان 2% فقط من الأسطول التشغيلي قادراً على حرق الوقود الأخضر.

البنية التحتية للوقود الأخضر:

وعلى هامش معرض بوسيدونيا البحري العالمي 2024، أشار الرئيسُ التنفيذيُّ لشركة دي إن في ماريتايم DNV Maritime ، كنوت أوربيك نيلسن، إلى العرض للوقود المنخفض والمحايد كربونياً بأنه "صداع كبير لأصحاب السفن"، وأشار إلى توفّر الوقودُ بصفته أحدِ العواملِ التي تبطئ قدرةَ الشحن على تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة، حسبما نشره موقع ريفييرا ماريتايم ميديا Riviera Maritime Media.

ولتوضيح وجهةِ نظر أوربيك نيلسن، قال رئيسُ الأبحاثِ العالمية لدى شركة "كلاركسون ريسيرتش"، ستيف غوردون: إن "الاستثمارات في البنية التحتية للمواني وتوافر الوقود الأخضر ما تزال متخلّفةً إلى حد ما، حيث إن بيانات شركة كلاركسون ريسيرتش تُظهر أن هناك 273 ميناءً مزوداً للغاز المسال و251 ميناءً مزوداً بمحطاتِ ربطِ الكهرباء على الشاطئ قائمةً أو مخططاً لها، ولكن هناك 29 ميناءً فقط مزوداً للميثانول متاحاً ومخططاً له.

تحديث تقنيات توفير الطاقة:

نظراً لنقص الوقود المتاح المنخفض والمحايد كربونياً، فإن إعادةَ تجهيزِ الأسطول الحالي من السفن بتقنياتِ توفيرِ الطاقة سيكون أمراً حيوياً في تلبية لوائح مؤشر كثافة الكربون لدى المنظمة البحرية الدولية، وتقليلِ استهلاكِ الوقود، وخفضِ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة.

ويرى المحللونَ أن قولَ هذا أسهلُ من فعله، إذ إن القدرةَ على إصلاح السفن مقيّدة، ما يؤدي إلى أوقات تسليمٍ طويلة تُقدَّر بما يصل إلى ثلاث سنوات ونصف السنة.

بالإضافة إلى ذلك، فقد فشلت السفن الجديدة الأخيرة في إبطاء تقادم الأسطول العالمي، وفق ما تابعته منصةُ الطاقِة المتخصصة (مقرّها واشنطن).

استعمال الميثانول الأخضر في قطاع الشحن البحري:

يُنظَرُ إلى الميثانول الأخضرِ على أنه أحد الحلولِ المهمة أمام قطاع الشحن البحري للتخلص من اعتماده الكبير على الوقود الأحفوري في تشغيل السفن، ويُصنَّف قطاعُ الشحن البحري بأنه من القطاعات التي يصعب تقليلَ انبعاثاتِها مع اعتماده على زيت الوقود الثقيل، ما يدفع الصناعة لاستكشاف الطرق المختلفة لخفض الانبعاثات التي تمثّل 3% من الإجمالي العالمي.

وبحسب تقريرٍ حديث لمنصة بلومبرغ نيو إنرجي فايننس المتخصصة (BloombergNEF)، تعهَّدت العديدُ من شركاتِ التجارة المشهورة عالمياً منها أمازون (Amazon)، وإيكيا (IKEA)، ويونيليفر (Unilever) وتارجت (Target)، بتنفيذ عملياتِ الشحن مع الشركات التي تستعمل سفنها وقوداً خالياً من الكربون.

وفي الوقت نفسه، تضع المنظمةُ البحرية الدولية وشركاتُ الشحن نفسها أهدافاً لتحقيق الحيادِ الكربوني، ليشير ذلك إلى أن القطاع يبحث عن وقودٍ يساعده في التخلص من انبعاثاته، وفقاً لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

طلب متزايد من قطاع الشحن البحري:

توضح بلومبرغ نيو إنرجي أن قطاعَ الشحن البحري يستعمل الميثانول الأخضر بشكل جيد منذ عام (2022)، بصفته وقوداً يمتلك خصائصَ مشابهة للوقود الثقيل ومنخفض الانبعاثات في الوقت نفسه، وتؤكد أن هناك طلباً متزايداً على وقود الميثانول الأخضر من شركات الحاويات العملاقة، مثل شركة ميرسك سيلاند (Maersk Sealand) الدنماركية وإيفرغرين (Evergreen) التايوانية، ما يُبرز تفضيل هذا الوقود منخفض الكربون حالياً.

مصنع لإنتاج الميثانول الأخضر:

وينقسم الميثانول الأخضر إلى تصنيفين، الميثانول الحيوي والميثانول الاصطناعي أو المصنّع، اعتماداً على المواد الأولية المستعملة؛ إذ يُنتَج الأول من استعمال الكتلة الحيوية والغاز الحيوي، في حين يُصنَّع الثاني عن طريق تفاعلِ الهيدروجين الأخضر مع الكربون الملتقط مباشرة من الهواء أو المصادر الحيوية، ويوضح أنه على الرغم من احتواء الميثانول الأخضر على كثافة طاقةٍ أقلَّ من الوقود الأحفوري، فإن له خصائصَ كيميائيةَ واحتراقاً مشابهاً للوقود الثقيل، ما يجعله أبسطَ في المعالجة والتخزين من الغاز الطبيعي المسال والأمونيا.

كما يُمكنُ للمحركات البحرية الحديثة أن تعملَ على كل من الميثانول وزيتِ الوقود الثقيل، ما يضيفُ ميزةً أخرى، وفقَ التقرير، الذي اطّلعت عليه وحدةُ أبحاثِ الطاقة.

السياسات الداعمة عامل ضروري:

رغم مميزات الميثانول الأخضر، يرى تقرير"بلومبرغ" أن شركاتَ الشحنِ بحاجة إلى حافزٍ اقتصادي من خلال السياساتِ الداعمة للتخلص من الوقود الأحفوري.

ومن بين الأمثلةِ الداعمةِ للميثانول الأخضر، نظامُ الاتحاد الأوروبي لتداول الانبعاثات (ETS) والمبادرةُ البحريةُ للاتحاد لإزالة الكربون (FuelEU)، التي ستُخضِع كلٌ منها انبعاثاتِ السفن لغراماتِ الامتثال.

وبحسب التقرير، تتضمن السياستان تغريمَ السفن التي تسافرُ بالكامل داخلَ الاتحادِ الأوروبي بنسبة 100% من انبعاثاتها، بينما ستغرَّم السفنُ المسافرةُ من وإلى المنطقة بنسبة 50% فقط.

سفينة حاويات تعمل بالميثانول الأخضر:

وفي حالة تطبيق نسبة 100%، من المتوقع أن تتفوقَ السفنُ التي تستعمل الميثانول الأخضر قريباً على نظيرتها العاملةِ بالوقود الأحفوري فيما يتعلق بالتكلفة.

وعلى العكس في سيناريو غرامات 50%، من المتوقع أن تكون تكلفةُ الناقلاتِ التي تعمل بالميثانول الأخضر أكثرَ بشكل كبير من مثيلاتها التي تعمل بالوقود الأحفوري.

ومع ذلك، يرى التقريرُ أن ذلك الاختلافُ يعني أن الميثانول الأخضر سيجدُ الطلبَ الأكبرَ داخل صناعة النقل البحري، وهو الأمرُ الذي برهن عليه تضاعُف الطلبات على السفن المستعملة للميثانول منذ عام 2022، وغالبيتها سفن لنقل الحاويات.

 

عقبات أمام الانتشار:

رصَدَ تقريرُ بلومبرغ نيو إنرجي فايننس بعضَ العقباتِ التي وصفها بالكبيرة أمام انتشارِ الميثانول الأخضر بالشكل المطلوب، واعتمادِه على نطاق واسع، رغم مؤشرات التفاؤل التي تكتنف مستقبله، وتتوقعُ تقديراتُ المنصةِ أن تبلغَ قدرةُ مشروعات الميثانول الأخضر نحو 5.5 مليون طن متري سنوياً بحلول عام 2027، وهو ما يزيد على السعة الحالية بنحو 11 مرةً.

ورغم تلكَ الزيادةِ الكبيرة، فإن بلومبرغ عدّتها بأنها جزءٌ قليلٌ مما هو مطلوب، إذ يجبُ أن يتخطى إنتاجُ الميثانول الأخضر نحو 540 مليونَ طن متري ليحلَّ محلّ الوقودِ البحري بالكامل بحلول عام 2050.

ومن أبرز تحدياتِ زيادةِ الإنتاج إلى المستويات المطلوبة، تكلفةُ الموادِ الأولية وتوافرها، فهي تأتي بمثابةِ عقباتٍ كبيرة، بالإضافة إلى المسافة بين مواقعِ الإنتاج والموانئ.

ويوضحُ التقريرُ أنَّ معظمَ أكبرَ منتجي الميثانول الأخضر على مستوى العالم يبعدون آلاف الكيلومترات عن موانئ التزويدِ بالوقود الرئيسة عالمياً.

وهناك 12 مركزاً للتزويدِ بالوقود في العالم يستحوذُ على 40% من عملياتِ تزويد السفن، واقتنصتْ سنغافورةُ وحدها 16% من إجمالي مبيعات الوقودِ البحري في عام 2022.

ومن شأن نقلِ كمياتٍ كبيرة من الميثانول الأخضر إلى موانئِ التزويدِ بالوقود أن يهددَ سلاسلَ التوريد ويرفعَ التكاليفِ، ما يؤكدُ ضرورةَ حدوثِ تغيرٍ كبيرٍ في البنية التحتية للشحن قبلَ العملِ على نشر ذلك الوقودِ النظيف.

 

إعداد: مالك الخضري.

إجازة في الإعلام/ جامعة دمشق.

 

المراجع:

1-     جريدة الوطن العمانية تاريخ 12/11/2024.

2-     آفاق استخدام الطاقة المتجددة في قطاع النقل "منظمة الاسكوا".

3-     مجلة الطاقة المصرية تاريخ 31/7/2024.

4-     موقع CNBC تاريخ 4/7/2024.