تبدو الحاجة ملحة اليوم لتبني استراتيجية وطنية للسلامة المرورية إذ يسهم ذلك في الاستخدام الأمثل للموارد البشرية والمادية التي تتوزع اليوم بين أكثر من وزارة مثل النقل، والإدارة المحلية، والداخلية، والإعلام، والتربية، والثقافة... الخ، وترصد الاعتمادات لهذا الغرض في موازنات جهات متعددة دون تقييم كفاءة وفاعلية الأداء حيث يعتمد التقييم فقط على نسب الصرف المحققة على بند السلامة المرورية من الاعتمادات المخصصة عند تقييم نسب الإنجاز.
وكي لا نكون متشائمين فان الإحصائيات الدولية (ما قبل الأزمة) تشير إلى موقع متوسط لسوريا في السلامة المرورية حيث تأتي السويد في المرتبة الأولى، وتأتي ليبيا في المرتبة الأخيرة.
وتشير الإحصائيات إلى أن التقدم الملموس على مستوى السلامة المرورية في سوريا في السنوات الأخيرة (ما قبل الأزمة) يعود إلى تحديث التشريعات والأنظمة المرورية وتطبيقاتها المعمول بها.
إن تحسين مستوى السلامة المرورية يتطلب العمل على وضع استراتيجية وطنية طموحة؛ فالملاحظ أن غالبية دول الجوار لديها استراتيجيات للسلامة المرورية.
(بالتأكيد لا ضرورة لاختراع الدولاب كل مرة) ويمكن استنساخ استراتيجية السلامة المرورية السويدية، لكن تطبيقها يتطلب مواءمتها وتوطينها لتكون فعالة ومجدية؛ فعلى وجه المثال تطرح الاستراتيجية السويدية نظم السلامة المرورية الذكية كأولوية استراتيجية ومثل هذه الأولوية لا تتلاءم مع الظروف والواقع المروري في سوريا الذي يتطلب العمل على أولويات أخرى ما قبل الأنظمة الذكية.
إن الهدف العام من الاستراتيجية هو تخفيض نسبة الوفيات خلال فترة زمنية معينة بنسبة معينة.
إن النسب المستهدفة عالمياً لخفض عدد الوفيات في استراتيجيات السلامة المرورية يتراوح بين 23%-40%، والمدة المستهدفة أو المجال الزمني للخطة الاستراتيجية (25،15،10) سنة، وتحدد سنة البداية المعيارية للخطة (سنة الأساس) وسنة القياس النهائي.
المحاور الأساسية للاستراتيجيات تتمثل بالمحاور التالية:
- تطوير إدارة الحوادث وخدمات الإسعاف.
- رفع سوية الثقافة المرورية.
- تطوير وتحسين شبكة الطرق.
- تطوير وتحسين أجهزة التحكم المروري.
- القياس ونظم المعلوماتية.
- تطوير أداء وعادات مستخدمي الطريق.
- التحكم في مواصفات المركبة وخصائصها.
- نشاطات متنوعة أخرى غير مباشرة.
إن النشاطات التي تندرج تحت كل محور من محاور الاستراتيجية مصنفة بموجب المعايير الدولية وفقاً لأهميتها؛ فالنشاطات ذات التأثير الفعال المتوقع تكون بالغة الأهمية، والنشاطات ذات التأثير المعتبر المتوقع تكون مرتفعة الأهمية، والنشاطات ذات التأثير غير المباشر المتوقع تكون معتدلة الأهمية، فعلى وجه المثال النشاط المتمثل بزيادة عدد محطات الإسعاف والطوارئ على الشبكة الطرقية من المحور الأول يصنف كنشاط بالغ الفعالية، ونشاط إنشاء مراكز تحكم مروري من المحور الأول يصنف كنشاط مرتفع الأهمية، ونشاط توفير إعلام كاف للتعريف برقم الطوارئ يصنف كنشاط معتدل الأهمية.
إن تحديد وتوصيف النشاطات التي تندرج تحت كل محور من محاور الاستراتيجية وتصنيفها وفقاً لأهميتها من الأهمية بمكان في تصميم الاستراتيجية.
إن تصنيف الحوادث المرورية وفقاً لنوعها وطبيعتها يسهم في تحديد النشاطات الوقائية أو المضادة التي تمنع وقوعها حيث التصانيف السائدة للحوادث المرورية (حوادث السرعة الزائدة، والتجاوز الخاطئ، والانقلاب، والجنوح، والمشاة، ومناطق العمل، والليل، وتحت تأثير المسكرات والنوم) ... الخ.
بعد تحديد محاور الاستراتيجية والنشاطات وفقاً لأهميتها يتم وضع الخطة التنفيذية للاستراتيجية التي تشتمل على الاعتماد التقديري لكل نشاط، والجهات المعنية بتنفيذ النشاط، وتوزيع الاعتماد بين تلك الجهات والموارد البشرية اللازمة لتنفيذ النشاط، والفترة الزمنية اللازمة للتنفيذ.
إن الجانب المتعلق بمتابعة تنفيذ الخطة الاستراتيجية وتقييم الأداء يوفر التغذية الراجعة للخطة وطرح بدائل على قاعدة الفعالية والجدوى إذ قد يعطي قياس الفعالية لأحد النشاطات أنه بالغ الفعالية في حين إن إدراجه في الخطة كان متوسط الفعالية، في مثل هذه الحالة ينبغي إعادة النظر في زيادة الموارد المادية والبشرية المخصصة للنشاط، وربما أدى تطبيق مثل هذا التقييم على نشاطات الاستراتيجية في البدايات إلى إعادة النظر في الأولويات، وقد يكون مصدر ذلك مرتبطاً بضعف قواعد البيانات والمعلومات وعدم دقتها.
إن وضع استراتيجية وطنية للسلامة المرورية في سوريا يتطلب تشكيل لجنة حكومية فنية متخصصة من الجهات المعنية بالسلامة المرورية يتم اختيار كوادرها وفق معايير الكفاءة والخبرة، كما أن متابعة تنفيذ وتقييم الخطة التنفيذية يتطلب تشكيل لجان فنية متخصصة على مستوى الوزارات تقدم تقارير فنية احترافية دورية (فصلية ونصف سنوية وسنوية) ويتم إعداد تقرير سنوي من قبل لجنة حكومية مختصة يشتمل على مراجعة وتقييم الخطة والتوصيات والتعديلات على نشاطات الخطة.
إن التأخير في إعداد مثل هذه الاستراتيجية والعمل في إطار غياب الاستراتيجية يسهم في تخصيص الموارد المادية والبشرية بأماكن قد لا تكون مجدية ويجعل من الصعب تقييم فاعلية وجدوى النشاطات المتعلقة بمحاور السلامة المرورية عدا عن غياب المتابعة الشاملة التي توفر التغذية الراجعة لتمكين النشاطات وطرح البدائل الاستراتيجية.
إعداد: م. سليمان حاتم - مستشار وزير النقل لشؤون الدراسات والبنى التحتية