تقنية النظم الذكية كاستراتيجية لتطوير قطاع النقل


مقدمة:

يعتبر قطاع النقل الركيزة الأساسية للاقتصاد الوطني حيث يمثل هذا القطاع بأنشطته المختلفة دعامة أساسية من دعائم التقدم، إذ لا يمكن تصور تحقق النمو المتوازن بين قطاعات الاقتصاد الوطني لأي بلد من البلدان دون تأمين احتياجات تلك القطاعات من النقل .

ويعتبر نمط النقل البري من الأنماط التي تهدف إلى التلبية الحقيقة لحاجات المواطنين للنقل ضمن شروط أكثر فائدة من حيث التكلفة، والوفرة، والتسعيرة، وجودة الخدمات، وضمان الأمن، كما أنه يعطي الأولوية لتطوير النقل الجماعي ووسائله .

ولكن وبالرغم من أهمية النقل في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية من خلال تسهيل حركة نقل المسافرين والبضائع، إلا أن له تأثيرات سلبية على البيئة الحضرية، حيث تشهد المدن الكبرى اليوم حركة مرورية سريعة نتيجة تزايد وسائل النقل الأمر الذي من شانه أن يزيد من الأضرار البيئية الناجمة عن استخدام وسائل النقل، إذ تمثل السيارات مصدراً رئيسياً وأساسياً لتلويث البيئة الحضارية، وازدياد الاختناقات المرورية وحوادث المرور.

وقد أثبتت التجارب الدولية أن التأخر في حل مشكلات النقل يكلف كلاً من الاقتصاد والمجتمع خسائر كبيرة، وأن تلك التكلفة سترتفع وتتضاعف بمرور الوقت إذا لم يتم التصدي لها، وأن تكلفة إيجاد الحلول وتنفيذها أقل من تكلفة خسائر التباطؤ فيها، كما أن سرعة الحلول لها نتائج ايجابية مباشرة وغير مباشرة على التنمية الشاملة في المدى القريب .

ولهذا السبب فقد عملت مختلف دول العالم على تبني عدة استراتيجيات لحل مشاكل النقل لعل أهمها على وجه الإطلاق استراتيجية نظم النقل الذكية التي بدأت بعض تطبيقاتها في الانتشار.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام يتمثل أساساً فيما يلي:

 

هل تمكنت تقنية نظم النقل الذكية من حل مشكلات النقل أم لا ؟. هي أهم الآليات التي تم تبنيها في هذا الصدد من أجل تفعيل هذه التقنية ودفعها للانتشار على مستويات أوسع ؟.

 

أولا: ماهية نظم النقل الذكية

قبل أن يتم التوصل إلى تقنية نظم النقل الذكية كآلية لتطوير قطاع النقل وتحقيق النقل المستدام اعتمدت الدول العديد من التجارب والاستراتيجيات نذكر منها ما يُعرف اصطف واركب أو المواقف التحفيزية والتي هي عبارة عن مواقفIncentive parking  أو Park-and-Ride  سيارات متصلة بوسائل النقل العام التي تسمح للركاب بالتوجه إلى مراكز المدن، وترك مركباتهم والسفر عبر الحافلات، القطارات، أو الوسائل سريعة التردد، وغيرها، كما يمكن أن ترتبط بنظام تقاسم الركوب للأجزاء المتبقية من الرحلة.

ولكن وعلى الرغم من أهمية جميع تجارب دول العالم  كوسائل لتطوير قطاع النقل وتحقيق النقل المستدام إلا أنها عجزت عن تحقيق الغرض الذي أنشأت من أجله، والأكثر من ذلك أن المآخذ عليها أكثر من فوائدها ذلك أنها لم تتمكن من تحسين السلامة للنقل ولا من التقليل من الآثار الناجمة عنه على البيئة وهو الأمر الذي أدى إلى ظهور ما يُعرف بنظم النقل الذكية .

وقد برز مؤخراً استخدام مصطلح نظم النقل الذكية ( ITS ) Intelligent Transportation Systems كلفظ موحد لما كان يعرف سابقاً باسم النظم الذكية للمركبات والطريق في و. م .أ (Intelligent Vehiche – Highway Systems) ( IVHS)، واسم تقنيات المعلومات للنقل على الطريق (RTI) (Road Transport Informatics) أو التقنيات المتقدمة للمعلومات والاتصالات في النقل (ATT)(Advanced Transport Telemetric) في أوروبا، وأحياناً بجمع الاسمين كليهما في اليابان، ذلك على اعتبار أن المصطلح الجديد يعتبر مصطلحاً أكثر شمولية بالنظر لكونه لا يقتصر على الطريق والمركبة فقط كما كان عليه الوضع سابقاً، وإنما يتسع هذا المصطلح ليشمل كل ما يتصل بهما من نظم اتصال وإدارة وغيرهما .

ويقصد بنظم النقل الذكية تلك النظم التي تعتمد على استخدام تقنيات الحاسب الآلي والالكترونيات والاتصالات والتحكم بغية الحصول على معلومات تتعلق بأداء مرافق النقل، وأحيانا عن الطقس والظروف الجوية والبيئية بغية مجابهة العديد من التحديات التي يمكن أن تواجه الأفراد أثناء عملية النقل البري، وهو الأمر الذي من شانه أن يساهم في تحسين مستويات السلامة والإنتاجية والحركة العامة.

كما يقصد بنظم النقل الذكية أيضاً تلك النظم التي تعمل على تطبيق مختلف التكنولوجيات حديثة في النقل من أجل التوصل إلى تحقيق ما يلي:

  • المساعدة في قيادة المركبات وتحديد المواقع، خاصة استعمال نظام تحديد المواقع الجغرافية  (Geographic positioning system ) (GPS )
  • تسيير حركة المرور وتسهيل انسياب تدفقات الحركة المرورية وذلك عن طريق التحكم في الإشارات الضوئية المرورية .
  • إدارة السلامة المرورية عن طريق إرسال معلومات لمستخدمي الطريق )مثلاً إرسال معلومات حول الأحوال الجوية كالضباب ... الخ (

فنظم النقل الذكية وبالمعنى السالف ذكره تمثل التطور الطبيعي للبينة التحتية للنقل وذلك من خلال عملها على تحديث هذه الأخيرة لتواكب عصر المعلومات، وهو الأمر الذي من شانه أن يساهم في توفير طاقة استيعابية أكبر وبكفاءة أعلى دون الاعتماد الكلي على إنشاء مرافق نقل جديدة .

وتشير في هذا الصدد الدراسات إلى أن الجمع بين نظم النقل الذكية والإنشاءات الجديدة أمر من شأنه المساهمة على استيعاب النمو المروري المستقبلي وذلك بتوفير قدره /15%/ مما يلزم تجهيزه لتلبية الطلب المروري نفسه من خلال الإنشاءات الجديدة فقط.

 وما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام هو أن نظم النقل الذكية تسعى لتحقيق جملة من الأهداف التي نذكر منها ما يلي

:

1- تحسين السلامة للنقل البري: وذلك عن طريق العمل على تطوير وتطبيق مجموعة متكاملة ومتناسقة من الإجراءات الهادفة لرفع مستوى السلامة، والتقليل من عدد الوفيات والإصابات الناجمة عن حوادث النقل، وكذا التقليل من حجم الخسائر الاقتصادية والاجتماعية التي تسببها الحوادث، وهو الأمر الذي لا يمكن له أن يتحقق إلا من خلال اتخاذ الإجراءات التالية :

  • التحكم المروري: وذلك من خلال القيام بتقييم أداء الطرق السريعة والشوارع المزودة بإشارات مرورية والتنسيق بينها وبين عمليات النقل العام لموازنة الطلب مع السعة ضمن نظام النقل .
  • إدارة الأحداث الطارئة: وذلك عن طريق توفير إجراءات تدخل ذات كفاءة عالية في حالات الأحداث المرورية الطارئة والظروف الجوية السيئة، وأعمال الطرق، وفي المناسبات الخاصة، فالتقنيات المتقدمة للنقل تركز على استشعار وجود الحوادث الطارئة والتأكد من وقوعها من أجل تحسين زمن الاستجابة لها وإرسال الفرق الملائمة لها من حيث الأفراد والمعدات.
  • إدارة الطلب على النقل: وذلك عن طريق تنفيذ نظام استخدام الحارات المرورية المخصصة للمركبات عالية السعة، وكذلك التحكم بمواقف السيارات وتكلفتها وتسعيرة الدخول للطرق، واستخدام أساليب إعطاء أفضلية الحركة.

 

2- زيادة الطاقة والكفاءة التشغيلية لشبكة النقل البري: وذلك من خلال:

  • زيادة السرعات وتقليل التوقفات.
  • تقليل التأخير عند نقاط التحويل بين وسائط النقل.
  • التخفيض الملموس للتكاليف المصاحبة للازدحام.
  • زيادة الطاقة الاستيعابية لمستخدمي الطرق الحالية عن طريق تشجيع الزيادة في متوسط سعة المركبة.
  • تقليل التكاليف التشغيلية للبنية التحتية .
  • الزيادة في عدد الأفراد وكمية البضائع التي يمكن نقلها على المرافق الحالية .

 

3- تحسين مستويات الحركة والراحة للمتنقلين:

إذ تساهم في هذا الإطار نظم النقل الذكية في تمكين المتنقلين) السائقين (من الحصول على المعلومات وتحليلها وعرضها عليهم، وهذا كله بهدف مساعدتهم على الحركة من مكان انطلاقهم وصولاً إلى مقصدهم الذي يرغبون في الوصول إليه، إذ تقوم في هذا الصدد نظم النقل الذكية بتقديم تلك المساعدات بأفضل طريقة ممكنة تحقق احتياجات المتنقلين من حيث السلامة والكفاءة والراحة، وإلى جانب عمل نظم النقل الذكية على توفير الراحة للمتنقلين فإنها تساهم أيضا في تحسين  مستويات الحركة للمتنقلين وذلك من خلال قيامها بـ:

  • تحسين الوصول إلى نظام النقل البري لكل مستويات الدخول والأعمار وفي كل المناطق الجغرافية.
  • تخفيض زمن الرحلة وزيادة موثوقيته والتقليل من تكلفته .
  • تخفيض مستوى الجهد المصاحب للرحلة .

 

4- التقليل من الآثار الناجمة عن النقل البري على البيئة والطاقة: وذلك من خلال:

  • التقليل من انبعاثات العوادم الضارة من المركبة .
  • التقليل من الوقود المهدر بسبب الازدحام وعدم اختيار الطريق المناسب .
  • التقليل من التلوث الضوضائي ومضايقة المرور للأحياء السكنية .
  • احترام متطلبات الحفاظ على البيئة والحياة الفطرية عند تصميم وتنفيذ البنية التحتية للنقل .
  • الحد من استهلاك المواد المضرة بالبيئة .

 

5- تحسين تشغيل المركبات التجارية:

تعمل نظم النقل الذكية على تطبيق مختلف التقنيات الذكية المتوافرة والممكنة على غرار التخليص الالكتروني للمركبات التجارية والفحص الآلي للسلامة على جانب الطريق ... الخ وذلك كله بهدف :

  • تحسين سلامة وكفاءة المركبات التجارية) الشاحنات والحافلات خصوصاً (
  • تحسين حركة نقل البضائع والتخفيض من زمن الانتقال وتكلفته .
  • الحفاظ على أمن البضاعة وسلامتها .
  • تحقيق السلامة لا سيما إذا تعلق الأمر بمتابعة المواد الخطرة .

 

6- التحكم بالمركبة وسلامتها:

يكمن الهدف من وراء التحكم في المركبة في تحقيق مستويات سلامة أعلى، وتخفيف حدة الازدحام في الطرق السريعة الحضرية، وكذا تحقيق مستويات أفضل لإنتاجية الطرق بين المدن مما يؤدي لإيجاد مفاهيم مبتكرة لخدمات النقل البري .

وعلى العموم فإن النظم المتقدمة للتحكم بالمركبة وسلامتها تساهم في تحقيق ما يلي:

  • تفادي الاصطدام الطولي.
  • تفادي الاصطدام العرضي .
  • التحذير من التصادمات عند التقاطعات والتحكم بها .
  • الجاهزية للسلامة) التحذير من الإعاقات (

 

ثانيا : تطبيقات نظام النقل الذكي كآلية لتطوير قطاع النقل العام والنتائج المترتبة على تبنيه:

بالنظر إلى أهمية نظم النقل الذكية فقد عملت عدة دول من العالم على تطبيقها إذ قامت وزارة النقل الأميركية بإنشاء برنامج الطرق الأوتوماتيكية لتحقيق هدف النظام الذكي البعيد المدى الأكثر تحدياً من الناحية الفنية للحصول على نظام للطرق والمركبات كامل من الناحية التشغيلية يقوم بجعل عملية السياقة عملية أوتوماتيكية . 

ويقصد بأوتوماتيكية عملية السياقة إمكانية السيطرة من خلال الطريق الذكية على المركبة عند دخولها إليه مما يجعل سيطرة السائق على مركبته منعدمة، الأمر الذي من شانه أن يجعل المركبات تلتزم السير ضمن مسار واحد، كما يساعد في خفض السرعات ويجعل المسافات بين المركبات منتظمة، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن تبني نظام الطرق الأوتوماتيكية أمر من شانه أن يعمل على تحقيق نتيجتين هامتين وهما :

  • تحسين السلامة المرورية:

وذلك عن طريق التقليل من الخطأ البشري خاصة في الطرق المزدحمة  الأمر الذي من شأنه أن يساهم في انخفاض عدد الوفيات والإصابات، وضياع الممتلكات الناتجة عن الحوادث المرورية خاصة إذا علمنا أن هناك دراسات بينت أن الخطأ البشري يشكل عنصراً رئيسياً يقف وراء /71%/ من جميع حوادث المرور في بعض الدول .

  • تحسين كفاءة الطريق:

ذلك أن السيطرة الأوتوماتيكية على حركة المركبات على الطريق وما ينتج عنها من انتظام لسرعة المركبات والمسافات بينها داخل كل مسار سيرفع من معدل تدفق المركبات، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من السعة التشغيلية للطريق لتصل إلى ما نسبته /11%/  حسب ما أشارت إليه الأبحاث المعدة في هذا المجال.

 

الخلاصة:

في الختام يمكننا القول بأن هذه الاستراتيجية الجديدة والمستحدثة بغية تطوير قطاع النقل لها فائدة اقتصادية ستساعد دون أدنى شك في إنقاذ الأرواح وتوفير الوقت والمال، كما أنها ستضاعف من جهة أخرى من فاعلية الصرف المالي على إنشاء مرافق الطرق والعبور وصيانتها، وستزيد من فائدة النقل العام وجذب الناس له، كما ستفتح المجال أمام فرص العمل والاستثمار .

هذا من جهة ومن جهة أخرى فان تقنية نظم النقل الذكية ستساهم دون أدنى شك في التقليل من الحوادث الثانوية وكذا من الازدحام المروري، هذا إلى جانب مساهمتها في تحسين خدمات النقل العام، والحد من استهلاك الوقود وتلويث البيئة نتيجة للسيطرة على الازدحام،  كما أن الهوامش العالية للسلامة التي توفرها تقنيات النظام الذكي بواسطة تقنية الإنذار وتفادي الاصطدام ستساهم دون أدنى شك في التقليل من عدد الحوادث المرورية وكذا من خطورتها.

كما أن تجميع المعلومات الكثيرة واستخدامها المطور سيساعد جميع شرائح مستخدمي الطريق في اتخاذ القرارات التي تناسب ظروفهم ورحلاتهم، ومع أن برنامج النظام الذكي سيكشف العديد من أوجه تحسين النقل، فإن الاهتمام الأكبر هو سلامة السائقين والركاب، لذلك فان التقنيات الخاصة بالنظام الذكي ستقدم أماناً أكبر لمستخدمي الطريق في المستقبل القريب .

ولكن وعلى الرغم من أهمية تقنية نظم النقل الذكي في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية إلا أنها قد لا تكون ذات جدوى في الدول النامية لعدة أسباب منها محدودية إلمام المجتمع بصناعة المعلومات واستخدامها، ومحدودية الوسائط البديلة المتوفرة للنقل داخل المدن، وكذا عدم إدراك قيمة الوقت من قبل كثير من العامة، عليه ومن خلال ما سبق بيانه سنتولى إيراد بعض المقترحات لتطوير استراتيجية نظام النقل الذكي وذلك على النحو التالي :

  1. وضع الأطر القانونية لنظام النقل الذكي وتطبيقها بصرامة .
  2. القيام ببرامج وحملات التوعية بأهمية نظام النقل الذكي.
  3. ضرورة تطوير وتفعيل نظام النقل الذكي طويل المدى مرن ومتكامل مع الرؤية للنقل .
  4. ضرورة تبني رؤية مبنية على رغبات المستخدمين للنقل لمعرفة آرائهم وتوجهاتهم بهدف تحسين الخدمة.
  5. تدريب كوادر فنية متخصصة في الإدارة الذكية وهندسة المرور.
  6. ضرورة إيجاد بيئة يمكن من خلالها تطوير النظام الذكي للطرق والمركبات وذلك عن طريق :
  • البدء ببرامج صناعية تساند هذه التقنية وتدعم الحركة التجارية في السوق المحلي .
  • تنويع وإعادة توجيه منظومة النقل عن طريق البرامج التعليمية والتدريبية الجديدة، وتوفير الفرص للأفراد والمؤسسات ذات المهارات المختلفة للمساهمة في برامج وزارة النقل والجهات الأخرى المرتبطة بالنظام الذكي للطرق والمركبات .
  • دعم وإنشاء هيكل مؤسس لتطوير التقنية وتحويلها ونشرها عن طريق تحفيز التعاون والمشاركة بين المصالح الحكومية والجامعات والقطاع الخاص.

 

إعداد: م.إياس سليمان / مديرية الشؤون الفنية والبنى التحتية في وزارة النقل - مكتب المتابعة في المنطقة الساحلية

 

المراجع:

  1. بولقواس – ابتسام – تقنية النظم الذكية كاستراتيجية لتطوير قطاع النقل – مجلة الرؤى الاقتصادية – العدد 6 – حزيران 2014 – الجزائر.
  2. European Research Area – Transport – Intelligent transport systems : EU-funded research for efficient, clean and safe road transport - EUROPEAN COMMISSION - Luxembourg: Publications Office of the European Union - 2010