فكرة من كتب النقل .. التقدم الاقتصادي وحتمية التنظيم العلمي للنقل


مقدمة خاصة:

 بعد أن قرأت هذه الفكرة بهدوء، وكمهتم في مجال النقل كونه مكان عملي من جهة، وكوني أعيش معاناة النقل والتنقل ضمن المدينة وريفها كمستخدم لوسائط النقل المتاحة من جهة أخرى، أصبح لدّي شعور بل تيقن أن الازدحام بشكل عام هو مؤشر نمو وتطور للأماكن المزدحمة، والعكس صحيح، الطرق والمواقف والأسواق الفارغة (بدون ازدحام) مؤشر ركود، فالازدحام في (موسكو – طوكيو – القاهرة ..) مثلاً، أفضل بكثير من الهدوء الطرقي في مدن متعددة في الدول المصنفة في طريقها للنمو.

مع التأكيد على ضرورة متابعة هذا الازدحام الناتج عن النمو والازدهار في أي مدينة وعدم التأخر في البحث عن الحلول المناسبة، والتحديث في نظم النقل لتواكب الطلب المتزايد عليه  وضرورة عدم ترك البحث عن الحلول لمستخدمي النقل، أو للتطور الطبيعي (العرض يخلق الطلب المناسب)، بل الحلول تنبع من مشغلي ومخططي النقل العام الشامل؛ لأن النقل عصب ومحرك الاقتصاد ومختلف القطاعات الخدمية والإنتاجية وهذا ينعكس بالضرورة على الناتج المحلي الإجمالي إيجاباً أو سلباً.

 

سرد الفكرة:

إن الارتباط وثيق جداً ما بين التسهيلات والإمكانيات في نظام النقل والتطور الاقتصادي، وإن كان من الصعوبة بمكان الجزم فيما إذا كان التقدم الاقتصادي والاجتماعي هو السبب في خلق الحاجة للنقل، أم أن وجود نظام نقل كُفء متكامل هو الذي يحرك التطور الاقتصادي؟. (العلاقة بين العرض والطلب).

الشكل التوضيحي التالي يشرح العلاقة بين النقل وزيادة الطلب عليه والأنشطة الاقتصادية المختلفة.

 

 

يوضح المخطط السابق العلاقة المتبادلة بين النقل والتقدم الاقتصادي، حيث إنه عندما يكون هناك تقدم وازدهار اقتصادي واجتماعي، فإنه يتوجب على النقل زيادة كفاءته بما يتلاءم مع الطلب المتزايد عليه، كما يتوجب على القائمين على إدارة وتشغيل النقل ابتكار واستخدام الأساليب الحديثة وأنظمة نقل متكاملة مترابطة تُلبي الطلب المتزايد على النقل، ولتساهم باستمرار في تطوير وانتعاش الحركة الاقتصادية والتجارة المرافقة والمرتبطة بها، حيث إن زيادة مشاكل النقل وعدم تداركها يؤدي إلى تعثر النشاط الاقتصادي.

ومن المعلوم أن زيادة كفاءة النقل، باستخدام التكنولوجيا الحديثة، يرفع من مستوى الخدمة أو يخفض التكلفة أو كلاهما معاً، مما يؤدي إلى استغلال موارد اقتصادية ما كانت لتُستغل لولا ارتفاع كفاءة النقل وهذا يؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى رفع دخول الأفراد وبالتالي زيادة الطلب على النقل، ومما يزيد من هذا الطلب بدرجة أكبر النسبة التي تخصصها الأسرة من دخلها المتزايد للإنفاق على النقل، وزيادة الطلب على النقل يؤدي بالتبعية إلى الاتجاه لتعقد مشاكل النقل، ومن ثم انخفاض مستوى الخدمة، وهو ما ينذر بتبديد موارد اقتصادية وبالتالي خفض المستوى الاقتصادي. ومن البديهي أن الحل الوحيد في هذا الصدد هو مزيد من البحث والعلم الجاد لرفع كفاءة وسائل النقل (خفض تكلفتها - ورفع سرعتها- زيادة التغطية لشبكاتها – التسويق للنقل كأية صناعة – تحسين اقتصادية الرحلة ....) وبصفة عامة استخدام الأسلوب العلمي السليم لحل مشاكل النقل وتطويره، كما يوضح الشكل السابق.

هناك رابط قوي ما بين مستوى تقدم المجتمع وتطور النقل، فمثلاً الولايات المتحدة تنفق حوالي ربع دخلها القومي على النقل بمختلف صوره، ونسبة العاملين بشكل مباشر أو غير مباشر في مجال النقل في الدول المتقدمة ما بين خُمس وسُبع مجموع القوة العاملة، ولا جدال في أنه لولا توفر وسائل النقل الاقتصادية ما كان لدول الخليج أن تستفيد من ثروتها البترولية، ولو كان هناك نظام نقل متكامل في وطننا العربي المشتت نقلياً والمتقطع الأوصال، لما تُرك شبر أرض دون استثمار والبطالة تزداد في بلد ما، ويحتاج بلد آخر آلاف الأيدي العاملة، وتتُلف منتجات مواسم بكاملها في بلد وآخر بأمس الحاجة لها ؟!!!!.

 

 

إعداد: المهندس عماد سكر – إجازة في الهندسة الميكانيكية - ماجستير تخطيط اقتصادي واجتماعي / وزارة النقل - مديرية متابعة شؤون النقل الطرقي.

 

المرجع: عشماوي " تنظيم وإدارة النقل" – القاهرة – دار المريخ 2005.