تقويم قطاع النقل بالبنك الدولي .. النقل في تقارير البنك الدولي


يُعدّ النقل محركاً حاسماً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، إذ يتيح فرصا للفقراء ويسهل للاقتصاد أن يكون أكثر تنافسية. وتربط البنية التحتية للنقل الناس بالوظائف والتعليم والخدمات الصحية، وتتيح توفير السلع والخدمات في جميع أنحاء العالم، وتمكّن الناس من التفاعل وإنتاج المعرفة والحلول التي تعزز النمو على المدى الطويل. فالطرق في المناطق الريفية، على سبيل المثال، يمكن أن تساعد في الحيلولة دون حدوث وفيات الأمهات عن طريق الوصول في الوقت المناسب إلى خدمات الرعاية المتعلقة بالولادة، وزيادة نسبة التحاق الفتيات بالتعليم، وزيادة دخل المزارعين وتنويعه عن طريق ربطهم بالأسواق.

ولهذا القطاع أهمية بالغة في الحدّ من الفقر، وتعزيز الرخاء، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، لأن النقل يأتي في صميم التحديات التنموية الكبيرة: وهنا نعرض أهم ما جاء في تقرير البنك الدولي حول قطاع النقل في العالم والتطلعات المستقبلية لهذا القطاع الهام .

  • تغير المناخ: يمثل النقل نحو 64٪ من الاستهلاك العالمي من النفط، و27٪ من إجمالي استهلاك الطاقة، وينتج 23٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة في العالم. ومع زيادة وسائل النقل من المتوقع أن يزداد أثر هذا القطاع على البيئة بشكل كبير.
  • سرعة توسع المدن وزيادة وسائل النقل: سوف تضم المدن نحو 5,4 مليار مقيم بحلول عام 2050، أي ما يعادل ثلثي عدد سكان العالم المتوقع. وسيتضاعف عدد المركبات على الطرق إلى ملياري مركبة أيضًا بحلول عام 2050.
  • سهولة الوصول والقدرة على تحمّل التكاليف: هناك ما يقدر بنحو مليار شخص في البلدان المنخفضة الدخل لا يزالون غير قادرين على الوصول إلى الطرق الملائمة في جميع الأحوال الجوية. وفي العديد من المدن يؤدي الوقت المهدور بسبب الازدحام إلى تآكل الرخاء. وتستقطع تكاليف النقل المرتفعة من دخل الفقراء الذين غالبا ما يفتقرون إلى وسائل النقل العام التي يعتمد عليها والميسورة التكلفة.
  • السلامة على الطرق: يلقى أكثر من1,25 مليون شخص مصرعهم ويصاب نحو 50 مليون شخص على طرق العالم كل عام. وتحدث 90٪ من هذه الوفيات في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل على الرغم من أنها لا تملك سوى نصف المركبات الموجودة في العالم.
  • تلوث الهواء: يرتبط التلوث الناتج عن النقل البري بالسيارات بمجموعة كبيرة من الحالات الصحية، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الرئة. وفي كل عام يمكن أن يُعزى نحو 185 ألف وفاة مباشرة إلى التلوث الناتج عن المركبات.
  •  التوسع السريع للمدن :ومع توسع المدن السريع الذي يشهده العالم النامي، هناك فرصة سانحة لإنشاء نظم نقل أكثر أمانًا ونظافة وكفاءة وأيسر من حيث الحصول عليه والتي تقلل الازدحام وتيسر الوصول إلى الوظائف، وتخفض استهلاك الطاقة في النقل. وفي المدن الناشئة المتوسطة الحجم، حيث سيعيش معظم سكان المدن الجديدة، سيتاح لمخططي المدن فرصة لتصميم أنظمة نقل مستدامة وشاملة من البداية، وتجاوز الأنماط الأكثر تلوثاً وتكلفة. وفي المدن الأقدم أو الأكبر، تساعد التكنولوجيا والكم الكبير من البيانات على تحسين تخطيط أنماط الانتقال واحتياجاته، وإشراك المواطنين، وتحسين جودة حلول النقل وكفاءتها.

لقد لعبت مشروعات النقل دوراً محورياً خلال العقد السابق في دعم التنمية الاقتصادية والقضاء على الفقر، ويتناول هذا التقويم مراجعة أنشطة البنك الدولي في مجال النقل خلال الفترة 1995 – 2005 ومدى استعداد البنك لمواجهة التحديات الآخذة في الظهور، ولقد توصل التقويم إلى أن الأعمال السابقة كانت مؤثرة وأديرت بطريقة جيدة بالذات في مجال إنشاء وإعادة تأهيل الطرق بين المدن ، وأن المدخل الذي اتبعه البنك في مجال النقل قد ساهم في نمو القطاع الخاص من خلال التعاقدات على أعمال صيانة الطرق على وجه الخصوص ، وأن مؤشرات تقويم مخرجات المشروعات أظهرت تحسناً متواصلاً منذ بداية التسعينيات، وأن العناصر الأساسية للاستراتيجية الحالية ما تزال قائمة حتى الآن مثل تَحَّمُلْ  الاستمرار (الاستدامة) ومشاركة القطـاع الخـاص واستراتيجية المناطق الحضرية.

ولكن التقويم توصل أيضاً إلى أن النقل لابد وأن يوجه الآن اهتماماً أكثر لتأكيد موضوعات قاطعة وحاسمة الأهمية مثل ازدحام المرور وتدهور البيئة والأمان والفاعلية والقدرة على تحمل تكلفة الانتقال.

ويحتم هذا التوجه مداخل متعددة القطاعات وأكثر ابتكاراً من أجل حل هذه الاهتمامات الملحة للدول والعالم على حدٍ سواء، فقد وجد البنك أنه من المناسب أن يعيد النظر في أولوياته من أجل مجابهة هذه التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية وأن يحول الموارد إلى التأكد من وجود النقل متعدد الوسائل وتحسين الربط بالمناطق الخلوية وتقديم نقل حضري أفضل.

وخلال الخمسة والثلاثين عاماً القادمة سوف يزداد عدد سكان العالم بمقدار 2,5 بليون نسمة عن العدد الحالي الذي يبلغ 6,5 بليون نسمة، وفي الدول النامية ستأخذ هذه الزيادة السكانية مكانها في المناطق الحضرية حيث نجد أن عدد المدن ذات تعداد يزيد عن مليون نسمة يأخذ طريقه في الازدياد من 268 مدينة في عام 2000 إلى 358 مدينة في عام 2015، ومن المتوقع أن مثل هذا النمو - بالإضافة إلى استمرار العولمة وتحرير التجارة - سوف يؤدي إلى زيادة الطلب على النقل للأفراد والبضائع زيادة ملحوظة. فعلى سبيل المثال إذا كانت صناعة السيارات قد وصلت إلى النضج في الأسواق المتقدمة بأمريكا الشمالية وأوروبا واليابان إلا أنها عالمياً تنتظر توسعاً ضخماً بالنظر إلى النمو الحادث في هذا الشأن بكل من الصين والهند، و خلال سنوات قليلة  ستحل الصين مكان اليابان كثاني أكبر سوق قومي بعد الولايات المتحدة، وخلال العشرين عاماً القادمة قد تتم صناعة عدد من السيارات يفوق ما تم صناعته في المائة وعشرة أعوام التي انقضت على تاريخ تلك الصناعة، وعلى نفس النحو من المتوقع حدوث نمو مماثل في صناعة الطيران والسفن وكذلك الحال بالنسبة للسكك الحديدية لكن بمعدل أقل.

وعلى الرغم من أن سيناريو النمو هذا قد يبدو مرحباً به إلا أن له أيضاً جانباً مظلماً حيث سيتضاعف القلق الحالي بخصوص زيادة أسعار الوقود بلا جدال، كما يتسبب النقل على الطرق حالياً في إنتاج ربع الغازات المنبعثة  مما صنعته يد الإنسان والتي تساهم في تغيير المناخ، كما يؤدي تلوث الهواء والضوضاء وتدهور الشكل العام للمدن وضياع الوقت الناجم عن ازدحام المرور إلى الزيادة الضخمة في التكلفة الاجتماعية، كما تضيف كذلك آثار النفط على تلوث الحياة البحرية وازدحام السماء بالطائرات وقضايا الأمن إلى تزايد النظرة العالمية غير المتفائلة إلى النقل.

وبالإضافة إلى مشاكل الازدحام والتلوث بالدول النامية فإن مشكلة الأمان على الطرق تزيد الأمر سوءاً مما دعا منظمة الصحة العالمية لأن تعلن أن الأمان على الطرق أحد الأمور الهامة للصحة العامة عالمياً حيث تؤدي حوادث الطرق إلى وفاة 1,2 مليون إنسان سنوياً بالإضافة إلى إصابة 50 مليون وذلك بعد مرور نحو قرن من الزمان فقط على حدوث أول وفاة على الطرق في عام 1896، وأكثر من 85% من هؤلاء الضحايا من الدول النامية.

وعلى الرغم من أن النقل العام يؤدي إلى مزايا واضحة لتقليل الازدحام والتلوث ويزيد الأمان إلا أن تقدم تطوره كان دائماً مخيباً للآمال ، لأن مستخدمي السيارة الخاصة نادراً ما يدفعون التكلفة الحقيقية التي يتحملها المجتمع بسبب ذلك الاستخدام، وفي الوقت ذاته فإن المدن اللامركزية مترامية الأطراف الأقل في الكثافة السكانية والتي تتسبب في رحلات ذات أطوال كبيرة تؤدي إلى زيادة تكلفة توفير خدمات النقل العام مما يؤدي تباعاً إلى تهميش الفقراء الذين عادة ما يقطنون المناطق المتطرفة بسبب عدم توفر السهولة الكافية للانتقال، بينما تزيد سرعة النمو الحادثة في المدن العظمى بسبب تزايد القلق على تدهور جودة الهواء الذي تقع عواقبه للأسف على الطبقات الفقيرة.

ونظراً لأن النقل يستوعب 6% تقريباً من إجمالي الناتج المحلي العالمي، فليس من المفاجأة في شيء أن البنك قد أنفق أكثر من 30 بليون دولار على مشروعات النقل وهو ما يزيد عن 15% من إجمالي الإقراض خلال الأعوام العشرة السابقة، وبالنظر كذلك إلى زيادة التفهم للارتباط بين النقل والحد من الفقر فقد حدثت زيادة كبيرة في استثمارات النقل خلال الخمسة أعوام الأخيرة، وعليه فإن ما يقوم به البنك حالياً - من تحديث لمدخله الاستراتيجي لقطاع النقل من أجل التعامل مع التأثيرات الأكثر تهديداً لنمو النقل على مستوى العالم -  قد جاء في الوقت المناسب حيث يمكن كذلك أن يأخذ في الحسبان ما تم التوصل إليه في التقويم الذي نحن بصدده والذي يشمل تقويماً لمدى استعداد البنك لمقابلة مثل هذه التحديات الآخذة في الظهور.

ومن الجدير بالذكر أن الاستراتيجية الحالية التي يتبعها البنك الدولي في قطاع النقل تأثرت بثلاث وثائق أصدرها البنك من قبل : "تقدير النمو العالمي: بنية أساسية من أجل التنمية" والذي تم نشره عام 1994 و يدعو إلى توسيع دور التنافس في سوق النقل، ثم تقرير "النقل الذي يتحمل الاستمرار" الذي نشره البنك في 1996 والذي يركز على الحاجة إلى نظم نقل تتحمل الاستمرار اقتصادياً وبيئياً واجتماعياً، وأخيراً تقرير "مدن في سبيل الانطلاق" والذي تم نشره عام 2002 والذي يركز على دور النقل الحضري، ومن الواضح كذلك أن العناصر الثلاثة السابقة – تحمل الاستمرار ومشاركة القطاع الخاص واستراتيجية المناطق الحضرية – تبقى جميعها ذات مغزى اليوم ولكنها تحتاج إلى تعديل ومدخل مختلف من أجل مواجهة تحديات العقد القادم.

 

مشاركة القطاع الخاص أقل من المتوقع

بالرغم من التفاؤل الكبير في بداية التسعينيات بأن يتحمل القطاع الخاص جزءاً كبيراً من مسؤولية تمويل البنية الأساسية للنقل وخدماته، إلا أن توقعات السوق بالنسبة للبنية الأساسية أظهرت إنها طموحة أكثر مما ينبغي، وبعد هبوط درامي خلال فترة عدم الاتزان في التمويل الحادثة في أواخر التسعينيات والتي كان يُنظَر فيها إلى مشروعات النقل كمشروعات بعيدة المدى ذات مخاطر كثيرة إلا أن الثقة عادت مرة أخرى في 2005 ، ولكن على الرغم من ذلك ومن الإعلان عن بعض الفشل في بداية الأمر فقد تم التوصل إلى تقدم مهم دولياً ونجحت مشاركة القطاع الخاص في التعاقد في مجال النقل وعلى جميع الوسائل.

وعلى الرغم من أن الاستثمار الخاص والتعاقدات في قطاع النقل بالدول النامية كان إيجابياً إلى حدٍ كبير إلا أن هذه التعاقدات كانت أكثر في الدول متوسطة الدخل مثل (الأرجنتين والبرازيل والصين والمكسيك وجنوب أفريقيا وتركيا)، حيث يجذب حجم المرور الكبير على الطرق ذات المكوث المستثمر الخاص، إلى جانب قدرة القطاع الحكومي على التعاقد مع القطاع الخاص، ولكن البنك بالرغم من ذلك استمر في تشجيع الاستثمار الخاص حتى في الدول منخفضة الدخل مدركاً أن نجاح مشروعا واحدا ما زال يستطيع إحداث تأثيرا ضخما على الاقتصاد.

لقد نجحت تعاقدات القطاع الخاص في الموانئ بالدول النامية مثل(الهند وجمهورية كوريا و مورشيوس وبولندا) ، أما في السكك الحديدية بصفة عامة فقد كانت أقل نجاحاً بسبب التدخل الحكومي المتكرر في أمور التسعير والعمالة، فعلى سبيل المثال تم وضع العديد من القيود الحكومية المتزمتة على شروط العطاءات مما أدى إلى الفشل في جذب اهتمام القطاع الخاص لأحد المشروعات التي كان يدعمها البنك في قطاع السكك الحديدة بتنزانيا، وبالإضافة إلى ذلك فإن الأمن أصبح حالياً أمراً ذو أهمية في الموانئ والمطارات وعبور الحدود.

لم تنمو مشروعات البنك التي تشمل تعاقدات مع القطاع الخاص نمواً كبيراً خلال العقد الماضي ولكنها شهدت نمواً متوسطاً في هيئة التمويل الدولي International Finance Corporation (IFC)، وعموماً يلجأ العملاء إلى مجموعة البنك سواء للمشورة أو إذا ما شعروا أن المشروع ذو مخاطر، هذا وقد نضجت المعرفة بكيفية صياغة تعاقدات الطرق ذات المكوث خلال السنوات الأخيرة وأصبح البنك قادراً على توفير خدمات مثل المعونة الفنية لاحقة الدفع وضمانات المخاطر الجزئية، وقد نجحت الحالات التي دعم فيها البنك أو سهل التعاقدات مع القطاع الخاص مثل ما حدث في الطرق بالصين والسكك الحديدية في البرازيل والموانئ في دار السلام بتنزانيا وبورت لويس بموريشيوس.

وبالرغم مما سبق ذكره سوف يظل القطاع الحكومي المالك والمشغل للبنية الأساسية الرئيسية للنقل خصوصاً و ستظل الطرق تشكل الغالبية من تلك البنية الأساسية والتي تتميز بخاصية  الملكية العامة، ولقد زاد البنك من مشروعات النقل التابعة للقطاع العام عندما أدرك القصور المستقبلي في استثمارات القطاع الخاص، حيث أظهرت الدلائل من أمريكا اللاتينية أن الحد من الاستثمار في البنية الأساسية بما في ذلك تلك المتعلقة بالنقل دائماً ما يصاحب النمو الاقتصادي وأن الفجوة في الصرف على البنية الأساسية تتسع بالمقارنة مع شرق آسيا.

إن المساهمات الهامة للبنك في إشراك القطاع الخاص لم تأت عن طريق الخصخصة الصريحة ولكنها حدثت من خلال العديد من برامج الطرق التي شجع فيها البنك التعاقد مع القطاع الخاص، كما كان لتكوين الأقسام المعنية بالإنشاء وأعمال الصيانة ، وإصرار البنك على تحقيق المنافسة السليمة في عمليات فحص العطاءات والتعاقد الأثر الكبير في هذا الشأن، بالإضافة إلى أن بعض النجاحات التي تحققت في تشجيع إنشاء هيئات للطرق والتي تدار تجارياً وتكوين صناديق للطرق   (road funds) من أجل التوصل إلى اتزان أكبر في التمويل المتكرر للاستثمار في الطرق في أفريقيا على وجه الخصوص.

ولقد تبين أن العديد من الحكومات ليست مستعدة للموافقة على التعاقدات طويلة المدى في السكك الحديدية ، كما حدث في المغرب ورومانيا، وبالرغم من ذلك تمكن البنك من تحسين قابلية التفسير والشفافية في ترتيبات التمويل بما في ذلك المكاشفة حول ترتيبات الدعم للخدمات غير الاقتصادية وتزايد الرغبة في التجرد من المكونات الهامشية للأعمال.

وعلى الرغم من تحسن "تحمل الاستمرار"، على الأقل كما ظهر في تقديرات المجموعة المستقلة للتقويم بالبنك Independent Evaluation Group (IEG) للمشروعات المنتهية، إلا أن الحقيقة الحالية تبين التقليل من حجم متطلبات البنية الأساسية للنقل التي تتصف بتحمل الاستمرار حقاً، ويرجع السبب في ذلك إلى أن الصيانة تربو نحو احتلال ترتيب أقل في الأولويات للحكومات التي تفتقد إلى السيولة النقدية على الرغم من النوايا الحسنة نحو أهمية الصيانة ، ولأن العديد من الدول تعاني من عدم الاتزان السياسي، حيث يمكن لعدم الاستقرار المدني أن يهدم كل الأعمال الجيدة التي تمت من قبل وبسرعة.

 

تفاوت النجاح في تحقيق التقدم المؤسسي

تعد الإدارة المؤثرة وبناء الإمكانات جزءاً لا يتجزأ من التأكد من تحقيق "تحمل الاستمرار"، ويقيناً فإن قطاع النقل غير محصن ضد الممارسات  الفاسدة وغير السليمة وعلى وجه الخصوص في مشروعات الإنشاء الكبيرة، وعلى الرغم من تمسك القطاع بالضوابط التي وضعها البنك في تنظيم فحص العطاءات والتعاقدات وتحقيق المنافسة السليمة يؤدي إلى الإعاقة الجزئية لهذه الممارسات، فإن القطاع يفتقر حتى الآن إلى استراتيجية صريحة لمكافحة الممارسات الفاسدة وغير السليمة.

وبصفة عامة حقق البنك نجاحات متفاوتة في معاونة العملاء في تقوية المؤسسات بين نتائج متوسطة في الدول ذات الدخل المنخفض - وبالذات في أفريقيا - ونتائج أحسن في الدول متوسطة الدخل، وفي هذا الشأن فقد أظهرت غالبية هيئات الطرق وبعض ترتيبات إعادة تنظيم السكك الحديدية تأثيرات أكثر نجاحاً بعد إتباع الدعم الفني المدعوم من البنك في ما بين غانا وكوت دي فوار ولكن في بعض الدول الأخرى كانت النتائج أقل نجاحاً.

وعلى الرغم من ذلك فإن التدريب كان دائماً يهدف إلى مساعدة المشروعات الفورية، وبالتالي كان أقل احتمالاً للتمتع بالتأثير الواسع أو الذي يتحمل الاستمرار، وفي كثير من الحالات لم يكن هناك أي توافق بين توقيت التدريب وتوقيت التغير في التنظيم الهيكلي لتحسين أداء القطاع الحكومي، كما أن التغييرات المؤسسية تحتاج إلى وقت طويل بينما الفترات الزمنية للمشروعات المصاحبة تنتهي في فترات أقل نسبياً وعليه فإن أهداف التطوير المؤسسي لابد وأن تكون أكثر واقعية وأن يتم تحقيقها على أجزاء من خلال برنامج مستمر للدعم يتجاوز نطاق قطاع النقل ذاته.

 

أداء طيب للمشروعات – نقص في جهود المتابعة والتقويم

أظهرت التقديرات التي أعطتها "المجموعة المستقلة للتقويم" (IEG) لمشروعات النقل تقدماً ثابتاً منذ بداية التسعينيات وأداءً  جيداً ومتوازناً لقائمة المشروعات في الدول الكبيرة مثل البرازيل والصين وفي العديد من الدول الأصغر بما في ذلك لاتفيا وجمهورية لاوس الديموقراطية الشعبية والمغرب ونيكاراجوا وبيرو والسنغال، ولكن معدل التحسين الكلي كان أقل جودة عند عدم أخذ كبار المقترضين في الحسبان فعلى سبيل المثال زاد تركيز إقراض البنك لمشروعات النقل في الصين والهند فقط من 31% إلى 40% من إجمالي الإقراض لمشروعات النقل في العقد الماضي.

ومن الجدير بالملاحظة وجود عائد اقتصادي جيد لناتج المشروعات، ولكن في ذات الوقت يفتقد القطاع إلى تطوير مؤشرات عملية لأداء القطاع ذاته كما تلاحظ كذلك التأثر السلبي المتكرر للتقويم والمتابعة بسبب عدم توافر معلومات الوضع الأصلي (وضع الأساس).

 

من الصعب الحفاظ على الأداء

يزيد حجم إقراض البنك اليوم بمقدار 40% عما كان عليه في عام 2000 وقد تم التوصل إلى إنتاجية أكبر بالمفهوم الحالي ويرجع ذلك جزئياً للعدد الكبير من مشروعات الطرق المتشابهة، ووجود أدوات للتقويم السريع بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل التوجه نحو الإقراض بطريقة عملية سهلة التطبيق وكبر حجم المشروعات، ولكن إذا كان لابد للنقل أن يتعامل بكفاءة مع الموضوعات الآخذة في الظهور فإن مسألة مهارة العاملين بالقطاع تحتاج إلى المزيد من الاهتمام.

هناك شواهد من الاستقصاء مع موظفي قطاع النقل بالبنك ومن مراجعات مجموعة توكيد الجودة (Quality Assurance Group) أن مشروعات النقل تتأثر على وجه الخصوص بقلة الحوافز التي تعطي  للعاملين بالبنك الذين يُقبلون على المشروعات المعقدة حتى لو كانت ذات فوائد عظيمة والتي تتعرض احتياطات نجاحها إلى العديد من المخاطر مثل المشروعات التي تشمل إعادة التوطين والأمور البيئية، وتعدد الجهات المعنية، هذا بالإضافة إلى الإهمال النسبي لنشر المعلومات، وإجراء الأبحاث عن القطاع والتي يقل عددها كثيراً عما هو متوقع من قطاع يتمتع بقائمة ضخمة من المشروعات مثل قطاع النقل.

وعلى البنك أن يحاول قدر المستطاع  بذل جهداً أكبر لإتباع مداخل ومنهجيات جديدة حتى يعوض كون حجم إقراضه للدول النامية يصل فقط إلى 2% من إجمال الصرف على البنية الأساسية، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة أكبر في الوقت والجهد مما يعني انتقاءً أكثر تدقيقاً للمشروعات الجديدة، وعلى الرغم من قيام البنك بإجراء تحليل قيم وإسداء جيد للمشورة من خلال مشروعاته في العديد من الدول إلا أن حيز انتشار هذا الجهد ما زال ضيقاً وعادةً ما نجد أن المعرفة والإدراك بتواجد مثل هذه الأعمال مرتفعة الجودة غير متبادل على نطاق واسع كما ينبغي، وعليه لابد من الاهتمام بإلقاء المزيد من الضوء على هذه الأعمال كمدخلات لاستراتيجيات معاونة الدول (Country Assistance Strategies (CASs)) في المستقبل.

 

تزايد موضوعية النقل الحضري والطرق الخلوية والنقل متعدد الوسائل

إن توجيه حوالي 80% من حجم إقراض البنك لمشروعات النقل إلى الطرق يعد أمراً ملفتاً للانتباه إذا ما أردنا للقطاع أن يستمر ذو حيثية، فعلى الرغم من استمرار أهمية الطرق وضرورة أن يتلاءم مستوى الدعم الموجه لها مع المنطقة والدولة المعنية، إلا أن وسائل وقضايا النقل الأخرى تنمو سواء في الأهمية أو الموضوعية، وعليه فمن الأهمية بمكان أن تعطى فرص للاهتمام بالنقل متعدد الوسائل والتأكيد على الاهتمام بتكامل النقل الحضري وبالنقل بالمناطق الخلوية.

فمن المعروف أن مشروعات النقل التي تتضمن وسائل متعددة والتي تهدف إلى إزالة معوقات التجارة الداخلية والتجارة عبر الحدود بين الدول تؤدي إلى نقص كبير في تكلفة البضائع وتساعد على تحسين قدرة تحمل تكلفة استهلاك البضائع والمواد الخام للقطاعات الإنتاجية، وعلى نفس المنوال هناك حاجة إلى مشروعات أكثر ذات طبيعة لوجستية تأخذ في الحسبان محطات القطارات وموانئ الحاويات، وعليه فمن المنتظر أن تزيد موضوعية وأهمية إتباع مناهج ومداخل النقل بالوسائل المتعددة.

وهناك أيضاً فوائد للمشروعات التي تتناول المواضيع المعقدة للنقل الحضري داخل المدن بما في ذلك الازدحام والأمان والتلوث حيث سوف تزيد الحاجة إلى مشروعات مثل مشروعي إدارة جودة الهواء بكلٍ من مدينة المكسيك ودكا ومشروع الدعم الفني للصين في إنشاء مؤسسات للنقل الحضري الذي يتحمل الاستمرار، وعلى الرغم من ذلك فإن عدد المشروعات المماثلة التي مولها البنك في السنوات الأخيرة قد تناقص قليلاً ولم يزداد كما كان المتوقع، حيث يعد كل من  الاحتياج إلى وقت طويل للتحضير للمشروع وقلة الدعم والحوافز لموظفي البنك للمشاركة فــي مثل هذه المشروعات من العوامل الأساسية لقلة تلك المشروعات بالإضافة إلى القيود الحالية التي وضعها البنك على الإقراض جزئي السيادة (Sub Sovereign Lending).

ومن المنتظر أن تحظى موضوعات ربط المناطق الخلوية وإنتاجيتها، والإدارة البيئية بالاهتمام المتزايد من أجل القضاء على الفقر، وقد تم مؤخراً تطوير مقياس لسهولة الانتقال والذي كان مهما لأهداف التنمية في الألفية الجديدة (Millennium Development Goals) التي تتناول التحرر من الجوع وتحسين الصحة، وعليه يمكن الآن واجد نقاشا مبنيا على قدر معرفي أكبر بكثير مما سبق بخصوص الأولويات النسبية لتحسينات النقل عند إعداد استراتيجيات دعم الدول (CASs).

 

تحديات آخذة في الظهور

من الجدير بالذكر أن استراتيجية النقل الحالية للبنك والموجهة نحو تحمل الاستمرار والنقل الحضري ، وتشجيع مشاركة أكبر للقطاع الخاص سوف تستمر صالحة بصفة عامة، ولكن قضايا نقل نظيف وفي متناول الجميع وآمن سوف تظل تحديات مهمة في العقد القادم ، حيث يلعب النقل دوراً حاسماً في حل القضايا المحورية المتعلقة بالطاقة واستخدام الأرض والنمو الحضري والتغير المناخي.

إن الاهتمام بأن يكون النقل في متناول الجميع لا يؤثر فقط على فقراء المناطق الحضرية والمناطق الخلوية ، ولكن له تأثير أيضاً على اقتصاد السلع الذي يهدف إلى تحسين التنافس والنمو الاقتصادي، وهذا ينعكس قطعاً على جميع وسائل وخدمات النقل، وكذلك يمكن بقوة تبرير توجيه اهتماما أكبر إلى الأمان حيث يتوقع بحلول عام 2020 أن تصبح حوادث الطرق ثالث أكبر مسبب للوفاة والإصابات على مستوى العالم أجمع، ونظراً لأن المشروعات الممولة من البنك لم تتناول حتى الوقت القريب الأمان على الطرق بصورة شاملة، فيجري حالياً تطوير مدخل معدل يأخذ في الحسبان مشروعات متعددة القطاعات تشمل التعليم والشرطة والصحة والأشغال العامة والوزارات الأخرى، كما تبين أن المشاة ومستخدمي وسائل النقل غير الآلية أكثر تعرضاً للحوادث في المناطق الحضرية بالدول النامية على وجه الخصوص.

ونظراً للنمو السريع في عدد المركبات مما يزيد حجم انطلاق العادم فإن جودة الهواء تعتبر قضية ذات اهتمام كبير خصوصاً في المدن الكبرى، ومن الواضح أن زيادة الدعم للنقل الحضري سيفي الفرص المناسبة لبحث تقليل الطلب على الطاقة على المدى البعيد من خلال الأعمال الهندسية لإدارة المرور، وتسعير المرور وتقييد استخدام السيارات الخاصة وتوجيه دعما أكبر لنظم النقل العام الكمي (mass transit) والنقل العام (public transport) بصفة عامة، ويمكن للبنك في السنوات المقبلة أن يزيد من استخدام مصادر التمويل مثل آلية البيئة العالمية وبرنامــج الأمــم المتحــدة للبيئــــة ومبادرات الكربون للتمويل، من أجل مجابهة بعض من هذه التطورات المهمة.

هذا ولقد أظهر التقويم الحالي أن الخبرة السابقة للبنك بتركيزها الضيق نسبياً والناجح فعلياً على الطرق ستكون غير كافية لاستجابة البنك مستقبلاً في التعامل مع التحديات الآخذة في الظهور حيث بدأ النقل في أخذ نمط الأعمال المعقدة متعددة القطاعات التي تحتاج خبرات من مجالات متعددة، كما أن معدل التغير يزداد بسرعة ومن المنتظر أن يأخذ جيل المشروعات القادمة توجهاً أكثر نحو المناطق الحضرية، وعلى الرغم من أن الطلب على مشروعات الطرق سوف يستمر في بؤرة الأعمال إلا إنه من المنتظر أن يزداد طلب عملاء البنك على الحصول على دعم للمشروعات الأكثر تعقيداً مما سيؤدي تدريجياً إلى تبديل واضح في الموارد وإعادة حساب الأولويات، ويمكن تحسين ذلك الوضع بالاستفادة من التداخل الذي يحدث في الآونة الأخيرة بين البنية الأساسية وشبكات التنمية البيئية والاجتماعية التي تتحمل الاستمرار، ومن الواضح أن الأولويات الجديدة سوف تحتاج تركيزاً أكثر ومزيداً من الابتكار حتى يمكن ضمان استمرارية موضوعية البنك، وعليه فمن المنتظر حدوث تقويم منتظم للخبرة المكتسبة حديثاً من مبادرات برامج الإقـراض متعـددة الجهـات المتاحـة مثـل مداخـل اعتبـار كامـل القطـاع      (Sector–Wide Approaches (SWAps))، وفي هذا الشأن فمن الأهمية بمكان لإفريقيا أن يتـم تقويـم مـا نتـج عـن برنامـج سياسـة النقـل فـي جنـوب الصحـراء الإفريقية      (Sup–Saharan African Transport Policy Program–SSATPP) من أجل تحسين الاستراتيجية المستقبلية.

وبصفة عامة فإن قطاع النقل بالبنك يقف الآن على مفترق الطرق حيث يتمتع بنافدة جيدة على فرصة الاستحواذ على مستوى أعلى من الموضوعية ومنح عملاء البنك مستوى أحسن من الدعم.

 

توصيات لإدارة البنك

ضمان توجه عمليات النقل التي يتمها البنك إلى خارج نطاق مشروعات الطرق بين المدن، وإعطاء اهتمام أكثر للأمور العاجلة التي تحظى بالاهتمام المتزايد وتظهر كضروريات ملحة بما في ذلك تلوث الهواء وازدحام المرور والأمان، وإمكان تحمل تكلفة النقل والتجارة، حيث يمكن بذلك التوصل إلى نوع من التوازن بين جزء من الأعمال التقليدية المتعلقة بالطرق والتحديات المستجدة الأكثر تعقيداً.

 

إعداد استراتيجية للنقل لمجموعة البنك ذات ستة اهتمامات:

1- عناية أكثر بتلوث الهواء والمياه والتوصل إلى مكاسب بيئية .

2- تحقيق تناسق أكبر بين كافة القطاعات المعنية  وذلك بالبناء على ما تم من دمج بين شبكات البنك المتعلقة بالتنمية البيئية والاجتماعية التي تتحمل الاستمرار والبنية الأساسية .

3- تحسين تبادل المعرفة وخدمات التحليل وإسداء المشورة ومدى مساهمة ذلك في استراتيجيات الدولة المستفيدة .

4-  الاستمرار في دعم مشاركة القطاع الخاص من خلال التنسيق الفعال بين البنك ووكالة ضمان الاستثمار متعددة الأطراف .

5-  زيادة الاهتمام بالأمور المتعلقة بالإدارة والفساد .

6- إعادة توزيع العاملين بالبنك وموارد الميزانية بناء على ما سبق.

 

  استكمال بناء جهود القطاع للمتابعة والتقويم وتوجيهها نحو استراتيجية جديدة شاملة.

 (1) تطوير مؤشرات - خلال العام القادم - تصلح لتقويم المشروع  في أثناء مرحلة تنفيذه وبحيث تكون قابلة للتطبيق على المشروعات باختلاف انواعهـا .

(2) إطلاق برنامج محسن للتقويم الدقيق للأثر لبرامج مختارة .

(3) إجراء تقويم ذاتي شامل للخبرة المكتسبة من مداخل اعتبار كامل القطاع (SWAps) خلال عدة أعوام .

 (4) إجراء تقويم مستقل لبرنامج سياسـة النقـل فـي جنـوب الصحـراء الإفريقية (SSATPP) خلال عامين من الآن.

عندما نفكر فيما ستكون عليه وسائل النقل في المستقبل، و من الأمور الأساسية التي نعلمها هي أنها ستكون مليئة بالبيانات وقائمة عليها.

نسمع باستمرار عن الفرص غير المحدودة التي ينطوي عليها استخدام البيانات. ومع هذا فثمة سؤال يطرح نفسه  لم تتم بعد الإجابة عليه: كيف ننتقل بشكل مستدام من البيانات إلى التخطيط؟ لا ينبغي أن تكون غاية الحكومات هي تكديس أكبر قدر من البيانات، بل بالأحرى "تحويل البيانات إلى معلومات، والمعلومات إلى رؤى". هذه الرؤى ستساعد على توجيه عملية التخطيط ووضع سياسات أفضل.

في العام الماضي، وفي إطار المشاركة القائمة منذ وقت بعيد للبنك الدولي في النقل الحضري بالأرجنتين، تم العمل مع إدارة التخطيط لدى وزارة النقل للاستفادة من إمكانيات تحليل البيانات من أجل تخطيط قطاع النقل. كان الهدف هو إيجاد مجموعة من الأدوات التي يمكن الاستعانة بها لجمع واستعمال البيانات من أجل تحسين تخطيط قطاع النقل.

في هذا الصدد، تتصدر الجهود الرامية إلى تطوير أداة تقتبس مصفوفات بداية الرحلة ونهايتها من البطاقات الذكية للنقل العام، مما يعطينا رؤى جديدة عن أنماط الحركة والتنقل لسكان بوينس آيرس. كما ساند المشروع إنشاء تطبيق على الهاتف المحمول يجمع بيانات عالية التركيز عن حركة النقل يمكن استخدامها للمشاركة المجتمعية من خلال مسوح ديناميكية عن الحركة. وقد ساعد ذلك في تحديث نموذج النقل في منطقة بوينس آيرس الكبرى.

 

وهذه بعض الدروس المستفادة من هذه التجربة:

1. التكنولوجيا والابتكار يحتاجان إلى مدافعين سياسيين كما هو الحال في أي قطاع آخر، فإن الابتكار في النقل يحتاج إلى وقت والتزام حقيقي، ولا يعني توظيف الابتكار لتسريع التطور ترجمته تلقائيا إلى نتائج سريعة وسهلة فبدلا من ذلك، فإن الدمج المستدام للتكنولوجيا في عملية تخطيط قطاع النقل يحتاج إلى الكثير من الوقت وإلى قيادة قوية وموارد مناسبة.

2. الابتكارات المتقدمة تحتاج إلى مهارات عالية تحتاج الاستفادة من تحليل بيانات النقل إلى مهارات معينة ومعرفة قد لا تكون متاحة في أسواق العمل المحلية.

ويعود الفضل في نجاح  هذا النشاط إلى عدة عوامل منها إنشاء وحدة متخصصة داخل وزارة النقل تجمع بين أشخاص ذوي مؤهلات شتى لكنهم يشتركون في أنهم جميعاً مهتمون باستخدام تحليل البيانات في تحسين عملية التخطيط. فقد عمل الفريق جنبا إلى جنب مع الاستشاريين الفنيين لتطوير أدوات لتحليل البيانات ووضعها موضع الاختبار في بيئات حقيقية، مما يسمح بالنقل الفعال للتكنولوجيا والمعرفة.

3. ضرورة العمل المشترك بين الهيئات العامة وشركات التكنولوجيا الخاصة

يمكن أن يشكل خوض غمار التكنولوجيا المتطورة (disruptive technologies) عدداً من التحديات للهيئات الحكومية، وبقدر تقلبه فإن عالم التكنولوجيا والابتكار عالم مذهل، وقد يكون من الصعب تبرير استثمار الأموال العامة في حلول لا يزال نجاحها بظهر الغيب، وبالمثل تعدم العديد من الحكومات القدرة الفنية على تجريب التكنولوجيات المتقدمة. وللتغلب على هذه العراقيل فإن الشراكات مع وكالات التنمية والشركات المتخصصة في التكنولوجيا تشكل عاملاً أساسياً.

يصدق هذا الكلام بالتأكيد على أنشطة البنك في بوينس آيرس، حيث عملت مجموعة البنك بالمشاركة مع الصندوق الاسباني لأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي ومع شركات مثل كورباتو "Korbato" (لتحليل البيانات)؛ وفيزونومي " Vizonomy" (لتطوير البرمجيات)، ولوغيت "Logit" (لنماذج تخطيط قطاع النقل.)

4. تغيير البيئات يحتاج إلى الانتقال من التطوير الخطي إلى التطوير التصاعدي

إن الابتكار محفوف بالمخاطر، ومع هذا فهناك طرق لتخفيف المخاطر من خلال تغيير الأسلوب الذي يتم به تطوير المنتجات والأفكار. فقد جرى إعداد المشاريع بصورة تقليدية باستخدام منهج خطي يفضي إلى خفض الفترات الزمنية للتنفيذ بمتوسط يتراوح بين 20 إلى 30%، وتقليص التكلفة بما يصل إلى 100%. وتعد المشاريع الآن أكثر ديناميكية ومعرفة بالتحديات غير المتوقعة. ولإدارة المخاطر بشكل أفضل، تم إدراج - في جميع مراحل إعداد المشاريع - نموذجاً مستمراً للاختبار (المنهج التصاعدي) من أجل تحسين إدارة المخاطر، بما يتيح لفرق العمل إدخال تعديلات طوال العملية، مما يحد من المخاطر ويقلص التكاليف ويؤدي في النهاية إلى إيجاد منتجات يمكن استخدامها من جديد.

5. التكنولوجيا هي وسيلة وليست غاية

ليس للابتكار قيمة ذات بال إلا إذا كان يخدم غاية أعظم في هذا المشروع، تهدف التكنولوجيا إلى دعم عملية التخطيط الشامل بنتائج ملموسة.

البيانات التي تم جمعها من المشروع تساعد على تقييم نظام الأجرة المتكامل الذي بدأت الأرجنتين في تطبيقه في وقت سابق من هذا العام.

كما تم استخدام النماذج لتقييم فوائد الشبكة الإقليمية للسكك الحديدية السريعة القادمة، وهو مشروع ثوري سيربط جميع خطوط السكك الحديدية الرئيسية لنقل الركاب في منطقة بوينس آيرس الكبرى عبر نفق جديد بوسط المدينة.

سيتم استخدام التطبيق لاستكمال المسح القادم عن النقل في منطقة بوينس آيرس الكبرى. وقد يؤدي هذا إلى ثورة في الطريقة التي تجرى بها هذه المسوح، مما يفضي إلى نتائج أكثر دقة بتكلفة ضئيلة للغاية. وبالإضافة إلى هذا، فإن الآلية الجديدة ستجعل من الأيسر استطلاع آراء فئات معينة من المستخدمين حول قضايا تتصل بهم مباشرة (على سبيل المثال: سؤال النساء عن مخاوفهن الأمنية).

يتشوق القائمون على التقرير إلى رؤية حلم مشاريع النقل هذه وقد تحول إلى واقع فقد لعبت التحليلات المتطورة للبيانات دوراً رئيسياً في تصميمها، وهم على ثقة في أنها ستترجم إلى نتائج أفضل. وليس ثمة شك في أن هذا النهج يمكن أن يحدث فارقاً للملايين من سكان بوينس آيرس الذين يعتمدون على وسائل النقل العام في تحركاتهم اليومية، وهذا بالضبط ما تعنيه مقولة "التكنولوجيا من أجل غاية معيّنة".

 

إعداد: مالك الخضري – إجازة في الإعلام/ مجلة النقل الإلكترونية

 

المصادر :

  1. تقارير البنك الدولي حول النقل في العالم اعوام 2017-2018-2019.
  2. دليل IRU / البنك الدولي لصانعي السياسات في مجالات النقل المختلفة.
  3. تقارير البنك الدولي حول التنمية في العالم .